السَّابِعَةُ: رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ، وَعَنِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيهِ، وَأَنْ يَتَحَلَّقَ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ. قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ وجابر وأنس حديث عبد الله بن عمر وحديث حَسَنٌ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدًا «١» وَإِسْحَاقَ وَذَكَرَ غَيْرَهُمَا يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمَسْجِدِ، وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَرُوِيَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَتَى عَلَى قَوْمٍ يَتَبَايَعُونَ فِي الْمَسْجِدِ فَجَعَلَ رِدَاءَهُ مِخْرَاقًا «٢»، ثُمَّ جَعَلَ يَسْعَى عَلَيْهِمْ ضَرْبًا وَيَقُولُ: يَا أَبْنَاءَ الْأَفَاعِي، اتَّخَذْتُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَسْوَاقًا هَذَا سُوقُ الْآخِرَةِ. قُلْتُ: وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَأَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ. وَهَذَا إِذَا كَانَ بِأُجْرَةٍ، فَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ لَمُنِعَ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الصِّبْيَانَ لَا يَتَحَرَّزُونَ عَنِ الْأَقْذَارِ وَالْوَسَخِ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى عَدَمِ تَنْظِيفِ الْمَسَاجِدِ، وَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَنْظِيفِهَا وَتَطْيِيبِهَا فَقَالَ: (جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ وَأَجْمِرُوهَا فِي الْجُمَعِ وَاجْعَلُوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ (. فِي إِسْنَادِهِ الْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ الدِّمَشْقِيُّ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ، ذَكَرَهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْجُرْجَانِيُّ الْحَافِظُ. وَذَكَرَ أَبُو أَحْمَدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عنه قال: صليت صَلَّيْتُ الْعَصْرَ مَعَ عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَرَأَى خَيَّاطًا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ يَكْنُسُ الْمَسْجِدَ وَيُغْلِقُ الْأَبْوَابَ وَيَرُشُّ أَحْيَانًا. فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (جَنِّبُوا صُنَّاعَكُمْ مِنْ مَسَاجِدِكُمْ). هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُجِيبٍ الثَّقَفِيُّ، وَهُوَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ. قُلْتُ: مَا وَرَدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُ لَيِّنًا فَهُوَ صَحِيحٌ مَعْنًى، يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بعض أهل العالم من التابعين رخصة في البيع
(١). الذي في الترمذي:" أحمد".(٢). المخراق: ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute