إلى شي لَيْسَ بِوَحْيٍ فَإِنَّهُمْ يَقْذِفُونَهُ إِلَى الْكَهَنَةِ فِي أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ، ثُمَّ تَتْبَعُهُمُ الشُّهُبُ فَتَقْتُلُهُمْ أَوْ تَخْبِلُهُمْ «١»، ذَكَرَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ عَبَّاسٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) أَتْبَعَهُ: أَدْرَكَهُ ولحقه. وشهاب: كَوْكَبٌ مُضِيءٌ. وَكَذَلِكَ شِهَابٌ ثَاقِبٌ. وَقَوْلُهُ:" بِشِهابٍ قَبَسٍ «٢» " بِشُعْلَةِ نَارٍ فِي رَأْسِ عُودٍ، قَالَهُ ابْنُ عُزَيْزٍ. وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ فِي إِثْرِ عِفْرِيَةٍ «٣» ... مُسَوَّمٌ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ منقضب
وسمي الكوكب شهابا لبريقه، بشبه النَّارَ. وَقِيلَ: شِهَابٌ لِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ، قَبَسٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ، فَتُحْرِقُهُمْ وَلَا تَعُودُ إِذَا أَحْرَقَتْ كَمَا إِذَا أَحْرَقَتِ النَّارُ لَمْ تَعُدْ، بِخِلَافِ الْكَوْكَبِ فَإِنَّهُ إِذَا أَحْرَقَ عَادَ إِلَى مَكَانِهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَصْعَدُ الشَّيَاطِينُ أَفْوَاجًا تَسْتَرِقُ السَّمْعَ فَيَنْفَرِدُ الْمَارِدُ مِنْهَا فَيَعْلُو، فَيُرْمَى بِالشِّهَابِ فَيُصِيبُ جَبْهَتَهُ أَوْ أَنْفَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ فَيَلْتَهِبُ، فَيَأْتِي أَصْحَابَهُ وَهُوَ يَلْتَهِبُ فَيَقُولُ: إنه كان من الام كَذَا وَكَذَا، فَيَذْهَبُ أُولَئِكَ إِلَى إِخْوَانِهِمْ مِنَ الْكَهَنَةِ فَيَزِيدُونَ عَلَيْهَا تِسْعًا، فَيُحَدِّثُونَ بِهَا أَهْلَ الْأَرْضِ، الْكَلِمَةُ حَقٌّ وَالتِّسْعُ بَاطِلٌ. فَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا مِمَّا قَالُوا قَدْ كَانَ، صَدَّقُوهُمْ بِكُلِّ مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ كَذِبِهِمْ. وَسَيَأْتِي هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا فِي سُورَةِ" سَبَأٍ «٤» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاخْتُلِفَ فِي الشِّهَابِ هَلْ يَقْتُلُ أَمْ لَا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشِّهَابُ يَجْرَحُ وَيُحْرِقُ وَيُخْبِلُ وَلَا يَقْتُلُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَطَائِفَةٌ: يَقْتُلُ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي قَتْلِهِمْ بِالشُّهُبِ قَبْلَ إِلْقَاءِ السَّمْعِ إِلَى الْجِنِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ قَبْلَ إِلْقَائِهِمْ مَا اسْتَرَقُوهُ مِنَ السَّمْعِ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَعَلَى هَذَا لَا تَصِلُ أَخْبَارُ السَّمَاءِ إِلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلِذَلِكَ انْقَطَعَتِ الْكِهَانَةُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بَعْدَ إِلْقَائِهِمْ مَا اسْتَرَقُوهُ مِنَ السَّمْعِ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْجِنِّ، وَلِذَلِكَ مَا يَعُودُونَ إِلَى اسْتِرَاقِهِ، وَلَوْ لَمْ يَصِلْ لَانْقَطَعَ الِاسْتِرَاقُ وَانْقَطَعَ الْإِحْرَاقُ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ
(١). الخيل (بسكون الياء): فساد الأعضاء.(٢). راجع ج ١٣ ص ١٥٦.(٣). أي إثر الشيطان، ومسوم: معلم. ومنقضب: منقض من مكانه.(٤). راجع ج ١٤ ص ٢٩٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute