بَعْدَ إِسْلامِهِمْ)
أَيْ بَعْدَ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِمْ. فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كُفَّارٌ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا" «١» [المنافقون: ٣] دَلِيلٌ قَاطِعٌ. وَدَلَّتِ الْآيَةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ يَكُونُ بِكُلِّ مَا يُنَاقِضُ التَّصْدِيقَ وَالْمَعْرِفَةَ، وَإِنْ كَانَ الْإِيمَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَقْوَالِ والافعال إلا في الصلاة. قال إسحاق ابن راهويه: ولقد أجمعوا في الصلاة على شي لَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الشَّرَائِعِ، لِأَنَّهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ قَالُوا: مَنْ عُرِفَ بِالْكُفْرِ ثُمَّ رَأَوْهُ يُصَلِّي الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا حَتَّى صَلَّى صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً. وَلَمْ يَعْلَمُوا مِنْهُ إِقْرَارًا بِاللِّسَانِ أَنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِالْإِيمَانِ، وَلَمْ يَحْكُمُوا لَهُ فِي الصوم والزكاة بمثل دلك. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ قَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا. قَالَ حُذَيْفَةُ: سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عَدَّهُمْ كُلَّهُمْ. فَقُلْتُ: أَلَا تَبْعَثُ إِلَيْهِمْ فَتَقْتُلُهُمْ؟ فَقَالَ: (أَكْرَهُ أَنْ تَقُولَ الْعَرَبُ لَمَّا ظَفِرَ بأصحابه أقبل يقتلهم بل يكفيهم لله بِالدُّبَيْلَةِ). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الدُّبَيْلَةُ؟ قَالَ: (شِهَابٌ مِنْ جَهَنَّمَ يَجْعَلُهُ عَلَى نِيَاطِ فُؤَادِ أَحَدِهِمْ حَتَّى تَزْهَقَ نَفْسُهُ). فَكَانَ كَذَلِكَ. خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ. وَقِيلَ هَمُّوا بِعَقْدِ التَّاجِ عَلَى رَأْسِ ابْنِ أُبَيٍّ لِيَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ فِي هَذَا. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) أَيْ لَيْسَ يَنْقِمُونَ شَيْئًا، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
وَيُقَالُ: نَقَمَ يَنْقِمُ، وَنَقِمَ يَنْقَمُ، قَالَ الشَّاعِرُ [فِي الْكَسْرِ] «٢»:
مَا نَقِمُوا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ إِلَّا ... أَنَّهُمْ يَحْلُمُونَ إِنْ غَضِبُوا
وَقَالَ زُهَيْرٌ:
يُؤَخَّرْ فَيُوضَعْ فِي كِتَابٍ فَيُدَّخَرْ ... لِيَوْمِ الْحِسَابِ أو يعجل فينقم
(١). راجع ج ١٨ ص ١٢٤.(٢). من ب وج وك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute