أُمُّ وَلَدٍ، لَهُ مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، فَكَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَمْ تَنْتَهِ، وَيَزْجُرُهَا فَلَمْ تَنْزَجِرْ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ذَكَرَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا صَبَرَ سَيِّدُهَا أَنْ قَامَ إِلَى مِعْوَلٍ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَيْهَا حَتَّى أَنْفَذَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا اشْهَدُوا إِنَّ دَمَهَا هَدَرٌ). وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَقَتَلَهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قِيلَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ الْأَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ «١» فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةُ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَقَتَلْتُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَلَا اشْهَدُوا إِنَّ دَمَهَا هَدَرٌ). السَّادِسَةُ- وَاخْتَلَفُوا إِذَا سَبَّهُ ثُمَّ أَسْلَمَ تَقِيَّةً مِنَ الْقَتْلِ، فَقِيلَ: يُسْقِطُ إِسْلَامُهُ قَتْلَهُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ. بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ إِذَا سَبَّهُ ثُمَّ تَابَ قَالَ الله عز وجل:" قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ" «٢» [الأنفال: ٣٨]. وَقِيلَ: لَا يُسْقِطُ الْإِسْلَامُ قَتْلَهُ، قَالَهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ لِانْتِهَاكِهِ حُرْمَتَهُ وَقَصْدِهِ إِلْحَاقَ النَّقِيصَةِ وَالْمَعَرَّةِ بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ إِلَى الْإِسْلَامِ بِالَّذِي يُسْقِطُهُ، وَلَا يَكُونُ أَحْسَنَ حَالًا مِنَ المسلم. السابعة- قوله تعالى: (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) " أَئِمَّةَ" جَمْعُ إِمَامٍ، وَالْمُرَادُ صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ- فِي قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ- كَأَبِي جَهْلٍ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ. وَهَذَا بَعِيدٌ، فَإِنَّ الْآيَةَ فِي سُورَةِ" بَرَاءَةٌ" وَحِينَ نَزَلَتْ وَقُرِئَتْ عَلَى النَّاسِ كَانَ اللَّهُ قَدِ اسْتَأْصَلَ شَأْفَةَ قُرَيْشٍ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُسْلِمٌ أَوْ مُسَالِمٌ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ" فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ" «٣». أَيْ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى نَكْثِ الْعَهْدِ وَالطَّعْنِ فِي الدِّينِ يَكُونُ أَصْلًا وَرَأْسًا فِي الْكُفْرِ، فَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ عَلَى هَذَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُعْنَى بِهِ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالرُّؤَسَاءُ مِنْهُمْ، وَأَنَّ قِتَالَهُمْ قِتَالٌ لِأَتْبَاعِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَا حُرْمَةَ لَهُمْ. وَالْأَصْلُ أَأْمِمَةٌ كَمِثَالٍ وَأَمْثِلَةٍ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ الْمِيمُ فِي الْمِيمِ وَقُلِبَتِ الْحَرَكَةُ عَلَى الهمزة فاجتمعت
(١). في ج: في حقك.(٢). راجع ج ٧ ص ٤٠١.(٣). في ب وج: وك أن يكون المراد بقاتلوا ... أن من أقدم ... إلخ. [ ..... ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute