أَحْكَامَهُ وَأَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهِ. فَإِنْ قَبِلَ أَمْرًا فَحَسَنٌ، وَإِنْ أَبَى فَرُدَّهُ إِلَى مَأْمَنِهِ. وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ «١». قَالَ مَالِكٌ: إِذَا وُجِدَ الْحَرْبِيُّ فِي طَرِيقِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: جِئْتُ أَطْلُبُ الْأَمَانَ. قَالَ مَالِكٌ: هَذِهِ أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، وَأَرَى أَنْ يُرَدَّ إِلَى مَأْمَنِهِ. وقال ابن القاسم: وَكَذَلِكَ الَّذِي يُوجَدُ وَقَدْ نَزَلَ تَاجِرًا بِسَاحِلِنَا فَيَقُولُ: ظَنَنْتُ أَلَّا تَعْرِضُوا لِمَنْ جَاءَ تَاجِرًا حتى يبيع. وظاهر الآية إنما هي فيمن يُرِيدُ سَمَاعَ الْقُرْآنِ وَالنَّظَرَ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَمَّا الْإِجَارَةُ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَرِ فِيمَا تَعُودُ عَلَيْهِمْ بِهِ مَنْفَعَتُهُ. الثَّانِيَةُ- وَلَا خِلَافَ بَيْنَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ أَمَانَ السُّلْطَانِ جَائِزٌ، لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ لِلنَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ، نَائِبٌ عَنِ الْجَمِيعِ فِي جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَمَانِ غَيْرِ الْخَلِيفَةِ، فَالْحُرُّ يَمْضِي أَمَانُهُ عِنْدَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ. إِلَّا أَنَّ ابْنَ حَبِيبٍ قَالَ: يَنْظُرُ الْإِمَامُ فِيهِ. وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَهُ الْأَمَانُ فِي مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا أَمَانَ لَهُ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِعُلَمَائِنَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ويسعى بذمتهم أدنا هم). قالوا: فلما قال (أدنا هم) جَازَ أَمَانُ الْعَبْدِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ أَحْرَى بِذَلِكَ، وَلَا اعْتِبَارَ بِعِلَّةِ (لَا يُسْهَمُ لَهُ). وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ: لَا يَجُوزُ أَمَانُ الْمَرْأَةِ إِلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْإِمَامُ، فَشَذَّ بِقَوْلِهِ عَنِ الْجُمْهُورِ. وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَإِذَا أَطَاقَ الْقِتَالَ جَازَ أَمَانُهُ، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُقَاتِلَةِ، وَدَخَلَ فِي الْفِئَةِ الْحَامِيَةِ. وَقَدْ ذَهَبَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ:" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ". وَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ مُحْكَمَةٌ سُنَّةٌ «٢» إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّمَا كَانَ حُكْمُهَا بَاقِيًا مُدَّةَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الَّتِي ضُرِبَتْ لَهُمْ أَجَلًا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: إِنْ أَرَادَ الرَّجُلُ مِنَّا أَنْ يَأْتِيَ مُحَمَّدًا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَيَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ أو يأتيه بحاجة قتل!
(١). في ج وك وهـ وى: والحمد لله.(٢). كذا في الأصول وتفسير ابن عطية. إلا ب، ففيها: محكمة مثبتة. ولا وجود لهذه الكلمة في قول الحسن في المراجع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute