وَفِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَأَتَى مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا". فَتَسَارَعَ الشُّبَّانُ وَثَبَتَ الشُّيُوخُ مَعَ الرَّايَاتِ، فَلَمَّا فُتِحَ لَهُمْ جَاءَ الشُّبَّانُ يَطْلُبُونَ مَا جَعَلَ لَهُمْ فَقَالَ لَهُمُ الْأَشْيَاخُ: لَا تَذْهَبُونَ بِهِ دُونَنَا، فَقَدْ كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ" ذَكَرَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ أَيْضًا. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ فِي قَوْمِهِ وَهُوَ يُرِيدُ الشَّأْمَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَأْتِيَ الْكُوفَةَ وَلَكَ الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمُسِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ وَسَبْيٍ؟. وَقَالَ بِهَذَا جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الشَّأْمِ: الْأَوْزَاعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَابْنُ حَيْوَةَ وَغَيْرُهُمْ. وَرَأَوْا الْخُمُسَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ، وَالنَّفْلُ بَعْدَ الْخُمُسِ ثُمَّ الْغَنِيمَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالنَّاسُ الْيَوْمَ عَلَى أَنْ لَا نَفْلَ مِنْ جِهَةِ الْغَنِيمَةِ حَتَّى تُخَمَّسَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ لِسَرِيَّةٍ: مَا أَخَذْتُمْ فَلَكُمْ ثُلُثُهُ. قَالَ سَحْنُونُ: يُرِيدُ ابْتِدَاءً. فَإِنْ نَزَلَ «١» مَضَى، وَلَهُمْ أَنْصِبَاؤُهُمْ فِي الْبَاقِي. وَقَالَ سَحْنُونُ: إِذَا قَالَ الْإِمَامُ لِسَرِيَّةٍ مَا أَخَذْتُمْ فَلَا خُمُسَ عَلَيْكُمْ فِيهِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ، فَإِنْ نَزَلَ «٢» رَدَدْتُهُ، لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ شَاذٌّ لَا يَجُوزُ وَلَا يُمْضَى. السَّادِسَةُ- وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَلَّا يُنَفِّلَ الْإِمَامُ إِلَّا مَا يَظْهَرُ كَالْعِمَامَةِ وَالْفَرَسِ وَالسَّيْفِ. وَمَنَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُنَفِّلُ الْإِمَامُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ لُؤْلُؤًا وَنَحْوَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النفل جائز من كل شي. وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِ عُمَرَ وَمُقْتَضَى الْآيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أَمْرٌ بِالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ، أَيْ كُونُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ الْبَيْنِ، أَيِ الْحَالُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا الِاجْتِمَاعُ. فَدَلَّ هَذَا عَلَى التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ شَجَرَ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافٌ، أَوْ مَالَتِ النُّفُوسُ إِلَى التَّشَاحِّ، كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْحَدِيثِ. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى التَّقْوَى «٣»، أَيِ اتَّقُوا اللَّهَ فِي أَقْوَالِكُمْ، وَأَفْعَالِكُمْ، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنَكُمْ. (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) فِي الْغَنَائِمِ وَنَحْوِهَا. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أَيْ إِنَّ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَمْتَثِلَ مَا ذَكَرْنَا. وقيل:" إن" بمعنى" إذ".
(١). في ز وك: ترك.(٢). في ز وك: ترك.(٣). راجع ج ١ ص ١٦١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute