الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- ذَكَرَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ أَنَّهَا تُمْلَكُ، وَنَزَعَ إِلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُزَالَ بِهَا الْغَصَصُ، وَيُطْفَأَ بِهَا حَرِيقٌ، وَهَذَا نَقْلٌ لَا يُعْرَفُ لِمَالِكٍ، بَلْ يُخَرَّجُ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنَّهَا طَاهِرَةٌ. وَلَوْ جَازَ مِلْكُهَا لَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرَاقَتِهَا. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمِلْكَ نَوْعُ نَفْعٍ وَقَدْ بَطَلَ بِإِرَاقَتِهَا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ قِمَارًا أَوْ غَيْرَ قِمَارٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا حَرَّمَ الْخَمْرَ أَخْبَرَ بِالْمَعْنَى الَّذِي فِيهَا فَقَالَ:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ" الْآيَةَ. ثُمَّ قَالَ:" إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ" الْآيَةَ. فَكُلُّ لَهْوٍ دَعَا قَلِيلُهُ إِلَى كَثِيرٍ، وَأَوْقَعَ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَيْنَ الْعَاكِفِينَ عَلَيْهِ، وَصَدَّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا مِثْلَهُ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ يُورِثُ السُّكْرَ فَلَا يُقْدَرُ مَعَهُ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِي اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ هَذَا الْمَعْنَى، قِيلَ لَهُ: قَدْ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فِي التَّحْرِيمِ، وَوَصَفَهُمَا جَمِيعًا بِأَنَّهُمَا يُوقِعَانِ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَيْنَ النَّاسِ. وَيَصُدَّانِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْخَمْرَ إِنْ أَسْكَرَتْ فَالْمَيْسِرُ لَا يُسْكِرُ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ اللَّهِ افْتِرَاقُهُمَا فِي ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي التَّحْرِيمِ لِأَجْلِ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ مِنَ الْمَعَانِي. وَأَيْضًا فَإِنَّ قَلِيلَ الْخَمْرِ لَا يُسْكِرُ كَمَا أَنَّ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ لَا يُسْكِرُ ثُمَّ كَانَ حَرَامًا مِثْلَ الْكَثِيرِ، فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ حَرَامًا مِثْلَ الْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْكِرُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ ابْتِدَاءَ اللَّعِبِ يُورِثُ الْغَفْلَةَ، فَتَقُومُ تِلْكَ الْغَفْلَةُ الْمُسْتَوْلِيَةُ عَلَى الْقَلْبِ مَكَانَ السُّكْرِ «١»، فَإِنْ كَانَتِ الْخَمْرُ إِنَّمَا حُرِّمَتْ لِأَنَّهَا تُسْكِرُ فَتَصُدُّ بِالْإِسْكَارِ عَنِ الصَّلَاةِ، فَلْيُحَرَّمِ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ لِأَنَّهُ يُغْفِلُ وَيُلْهِي فَيَصُدُّ بِذَلِكَ عَنِ الصَّلَاةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- مُهْدِي الرَّاوِيَةِ «٢» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّاسِخُ، وَكَانَ مُتَمَسِّكًا بِالْإِبَاحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الحكم لا يرتفع بوجود الناسخ- كما يقوله بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ- بَلْ بِبُلُوغِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يوبخه،
(١). في ج وع وك: مقام.(٢). كذا في ج وع وى وا وهـ وفي ك: هذه الرواية تدل. إلخ. ولعل أصل العبارة: حديث مهدي الراوية ... إلخ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute