تَأْوِيلٍ وَالِاسْتِوَاءُ مَعْقُولٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ, وَأَنَّهُ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَالْخَلْقُ بَائِنُونَ مِنْهُ. وَذَكَرَ سَائِرَ الِاعْتِقَادَ, وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وَقَالَ: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَاتُ أَنَّهُ فِي السَّمَاءِ وَعِلْمُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ, رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ, وَمِنَ التَّابِعِينَ رَبِيعَةَ وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَبِهِ قَالَ: مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عَمَّارٍ: هُوَ بِذَاتِهِ عَلَى الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَعِلْمُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَقُدْرَتُهُ مُدْرِكَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ, وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} فَهَذَا الذي قلناه هو كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: لفظة "بذاته" مستغن عَنْهَا بِصَرِيحِ النُّصُوصِ الْكَافِيَةِ الْوَافِيَةِ١. وَقَالَ الْقَادِرُ بِاللَّهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي مُعْتَقَدِهِ الْمَشْهُورِ: وَأَنَّهُ خَلَقَ الْعَرْشَ لَا لِحَاجَةٍ, وَاسْتَوَى عَلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ لَا اسْتِوَاءَ رَاحَةٍ, وَكُلُّ صِفَةٍ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ أَوْ صفه بِهَا رَسُولُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهِيَ صِفَةٌ حَقِيقَةٌ لَا صِفَةَ مَجَازٍ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الطَّلَمَنْكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّهُ عِلْمُهُ, وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَوْقَ السَّمَاوَاتِ بِذَاتِهِ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ, كَمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُهُ وَعُلَمَاءُ الْأُمَّةِ وَأَعْيَانُ الْأَئِمَّةِ مِنَ السَّلَفِ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى عرشه فوق سمواته. وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ السَّجْزِيُّ: أَئِمَّتُنَا كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْفُضَيْلِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِذَاتِهِ فَوْقَ الْعَرْشِ وَعِلْمُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي فِي أُرْجُوزَتِهِ الَّتِي فِي عُقُودِ الدِّيَانَةِ:
كَلَامُهُ وَقَوْلُهُ قَدِيمُ ... وَهْوَ فَوْقُ عَرْشِهِ الْعَظِيمِ٢
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ النُّزُولِ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَمْ
١ هي لفظ صحيح تفسيري والنصوص مؤيدة له وكلام الأئمة كابن المبارك وغيره.٢ وأنه تعالى يتكلم متى شاء بما شاء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute