للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من بعدهم، بل فرض علينا نحن امتثال أمره، واجتناب نهيه، وترك البحث والتفتيش عما سكت عنه. وليس ذلك الترك جهلًا وتجهيلًا لحكمه، بل إثبات لحكم العفو وهو الإباحة العامة، ورفع الحرج عن فاعله.

فقد استوعب الحديث أقسام الدين كلها، فإنها: إما واجب، وإما حرام، وإما مباح. والمكروه والمستحب فرعان على هذه الثلاثة غير خارجين عن المباح. وقد قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ (١٩)} فوكل بيانه إليه سبحانه، لا إلى القياسيين والآرائيين.

وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩)} فقسم الحكم إلى قسمين: قسم أذن فيه هو الحق، وقسم افترى عليه وهو ما لم يأذن فيه. فأين أذِن لنا أن نقيس البلوط على التمر في جريان الربا فيه، وأن نقيس القزدير وعلى الذهب والفضة، والخردل على البر، فإن كان الله ورسوله وصانا بهذا فسمعًا وطاعة لله ورسوله، وإلا فإنا قائلون لمنازعينا: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} فما لم تأتونا به وصية من عند الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو عين الباطل، وقد أمرنا الله برد ما تنازعنا فيه إليه وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يبح لنا قط أن نرد ذلك إلى رأي ولا قياس، ولا تقليد إمام ولا منام، ولا كشوف ولا إلهام، ولا حديث قلب ولا استحسان، ولا معقول ولا شريعة للديوان، ولا سياسة الملوك، ولا عوائد الناس التي ليس على شرائع المرسلين أضر منها. فكل هذه طواغيت! من