المحرم بالنص، كان أدخل في الذم ممن سأله عن حكمة لحاجته إليه، فحرم من أجل مسألته، بل كان الواجب عليه ألا يبحث عنه؛ ولا يسأل عن حكمه اكتفاء بسكوت الله عن عفوه عنه. فهكذا الواجب عليه ألا يحرم المسكوت عنه بغير النص الذي حرم أصله الذي يلحق به.
قالوا: وقد دل على هذا كتاب الله حيث يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (١٠٢)}. وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح:"ذروني ما تركتكم فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" فأمرهم أن يتركوه من السؤال ما تركهم. ولا فرق في هذا بين حياته وبين مماته. فنحن مأمورون أن نتركه - صلى الله عليه وسلم - وما نص عليه، فلا نقول له لم حرمت كذا لنلحق به ما سكت عنه، بل هذا أبلغ في المعصية من أن نسأله عن حكم شيء لم يحكم فيه؛ فتأمله فإنه واضح، ويدل عليه قوله في نفس الحديث:"وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" فجعل الأمور ثلاثة لا رابع لها: مأمور به، فالفرض عليهم فعله بحسب الاستطاعة. ومنهي عنه، فالفرض عليهم اجتنابه بالكلية، ومسكوت عنه، فلا يتعرض للسؤال والتفتيش عليه.