فتأمَّل كيف كان قوله:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ٩] وقوله: {وَلَهُ اُلْمَثَلُ اُلْأَعْلَى}[الروم: ٢٦] من أعظم الأدلة على ثبوت صفات كماله سبحانه.
فإن قلت: قد فهمت هذا وعرفته، فما حقيقة المثل الأعلى؟
قلت: قد أَشكل هذا على جماعةٍ من المفسرين، واستشكلوا قول السلف فيه، فإن ابن عباس وغيره قالوا:«{مَثَلُ اُلسَّوْءِ} العذاب والنَّار {وَلِلَّهِ اِلْمَثَلُ اُلْأَعْلَى} شهادة أن لا إله إلَّا الله»(١). وقال قتادة:«هو الإخلاص والتوحيد»(٢). قال الواحدي (٣): «هذا قول المفسرين في هذه الآية، ولا أدري لِمَ قيل للعذاب مثل السَّوء، وللإخلاص المثل الأعلى». قال (٤): «وقال قومٌ: المثل السَّوء الصفة السَّوء من احتياجهم إلى الولد وكراهتهم للإناث خوف العَيْلة والعار {وَلِلَّهِ اِلْمَثَلُ اُلْأَعْلَى} الصفة العُليا من تنزهه وبراءته (٥) عن الولد. قال: وهذا قولٌ صحيحٌ، فالمثل كثيرًا يرد بمعنى الصفة، وقاله جماعةٌ من المتقدمين. وقال ابن كيسان: مثل السوء ما ضرب الله للأصنام وعَبَدَتها من الأمثال، والمثل الأعلى نحو قوله:{اَللَّهُ نُورُ اُلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} الآية [النور: ٣٥]».
(١) نسبه الواحدي في «التفسير البسيط» (١٣/ ٩٦) لابن عباس - رضي الله عنهما -. وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (١/ ٣٥٧) والطبري في «التفسير» (١٤/ ٢٥٨) عن قتادة. (٢) أخرجه الطبري في «التفسير» (١٤/ ٢٥٨). (٣) «التفسير البسيط» (١٣/ ٩٦). (٤) «التفسير البسيط» (١٣/ ٩٧). (٥) «ح»: «وبراءة». والمثبت من «م»، «البسيط».