ومَن رأى ما أضمره المتأوِّلون من الرَّافضة والجهمية والقدرية والمعتزلة ممَّا حرَّفوا به الكَلِمَ عن مواضعه وأزالوه به عمَّا قُصد له من البيان والدلالة (١)[ب ٩٦ أ] علم أن لهم أوفر نصيب من مشابهة أهل الكتاب الذين ذمَّهم الله بالتحريف واللَّيِّ والكتمان.
أَفَتَرى يَعجِز الجهميُّ عن الإضمار في قوله:«إِنَّكُمْ تَرَونَ رَبَّكُمْ عِيَانًا»(٢). فيُضمِر مَلَك ربِّكم ونعيمه وثوابه، ونحو ذلك؟!
ويَعجِز الملحد عن الإضمار في قوله:{وَأَنَّ اَللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي اِلْقُبُورِ}[الحج: ٧] أي: أرواح مَن في القبور؟!
وإذا انفتح سدُّ يأجوج ومأجوج أقبلوا من كل حَدَبٍ يَنسِلون!
النوع الثَّاني: ما يشهد السياق والكلام به، فكأنه مذكور في اللفظ، وإن حُذف اختصارًا، كقوله تعالى:{أَنِ اِضْرِب بِّعَصَاكَ اَلْبَحْرَ فَاَنفَلَقَ}[الشعراء: ٦٣] فكل أحدٍ يعلم أن المعنى فضربه فانفلق، فذِكْرُه نوعٌ من بيان الواضحات؛ فكان حَذفُه أحسنَ، فإن الوهم لا يَذهَب إلى خلافه.
وكذلك قوله تعالى: {وَقَالَ لِفِتْيَتِهِ اِجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا اَنقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ} [يوسف: ٦٢ - ٦٣] فكلُّ أحدٍ يَفهَم من هذا السياق أنهم جعلوها في رحالهم، وأنهم وَصَلُوا بها إلى أبيهم.
(١) بعده بياض نحو صفحة ونصف، وكتب الناسخ: «أظنه بياض صحيح». والسياق متصل كما ترى. (٢) تقدم تخريجه.