وأمَّا السببان اللذان من السامع، فأحدهما: سوءُ الفهم (١).
فإن درجات الفهم متفاوتة في الناس أعظم تفاوتٍ، فإنَّ قُوى الأذهان كقوى الأبدان، والناس متفاوتون في هذا وهذا تفاوُتًا لا ينضبط.
وقد سُئل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: هل خصَّكم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بشيءٍ دون الناس فقال: «لا، والذي فلَقَ الحبَّةَ وبرَأَ النسَمَةَ إلَّا (٢) فَهْمًا يؤتيه اللهُ عبدًا في كتابِه، وما في هذه الصحيفةِ. وكان فيها العقل ـ أي: الدِّيَات ـ وفَكاكُ الأسيرِ» (٣).
وكان أبو بكر الصدِّيق أفهمَ الأُمة لكلام الله ورسوله. ولهذا لما أشكَل على عمر ـ مع قوة فَهْمه ـ قوله تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ اَلْمَسْجِدَ اَلْحَرَامَ إِن شَاءَ اَللَّهُ آمِنِينَ}[الفتح: ٢٧]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة: «إِنَّكُمْ تَأْتُونَهُ وَتَتَطَوَّفُونَ بِهِ (٤)»، فأورده عليه عامَ الحديبية، فقال له الصدِّيق: أقال لك إنك تأتيه العامَ؟ قال: لا، قال: فإنك آتِيهِ ومُطوِّفٌ (٥) به. فأجابه بجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - (٦).
(١) لم يُفرِد المصنِّف - رحمه الله - الكلام على السبب الثاني، وهو سوء القصد، إنما أشار إليه إشارة. (٢) «إلا» سقط من «ح». (٣) أخرجه البخاري (٣٠٤٧) ومسلم (٧٨). (٤) «ح»: «وتطوفونه». (٥) «ح»: «تأتيه وتطوف». (٦) أخرجه البخاري في «الصحيح» (٢٧٣١) عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في حديث صلح الحديبية الطويل.