تجارتهم، وصاحب خزائم ربويّاتهم: الوليد بن المغيرة، وكان قد عتا في سنه، فبلغ من الهرم عتيًّا، وقد حضر الموسم -كما سبق- فقال لهم:(١)
يا معشر قريش، إِنه قد حضر هذا الموسم، وإِن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، قالوا: فأنت يا أبا عبد شمس، فقل وأقم لنا رأياً نقول به، قال: بل أنتم، فقولوا أسمع، قالوا: نقول كاهن، قال: والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة (٢) الكاهن ولا سجعه (٣)، قالوا: فنقَول مجنون، قال: لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنْقَه، (٤) ولا تخالجه (٥)، ولا وسوسته (٦)، قالوا: فنقول شاعر، قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كل رجزه، وهزَجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، (٧) فما هو بالشعر، قالوا: فنقول ساحر، قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحّار وسحرهم، فما هو بنفْثهم ولا
(١) ابن إسحاق معلقاً: ١: ٣٣٤ - ٣٣٦، والطبري موقوفاً عن ابن عباس، وقد صرح عنده بالسماع ١٤: ١٥٧، وأبو نعيم من طريق ابن إسحاق عن سعيد بن جبير: الدلائل: ١: ٣٣٢، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم مختصراً: الدر المنثور: ٦: ٢٨٢، والواحدي: أسباب النزول من غير طريق إسحاق: ٢٩٥ مختصراً، وفي سنده إسحاق بن إبراهيم الدبري، انظر: الميزان: ١: ١٨١. (٢) الزمزمة. كلام خفي لا يسمع. (٣) السجع: أن تتوافق الفواصل في الحرف الأخير. (٤) يريد الاختناق الذي يصيب المجنون. (٥) التخالج: اختلاع الأعضاء وتحركها من غير إرادة. (٦) الوسوسة: ما يلقيه الشيطان في نفس الإنسان. (٧) قوله: رجَزه وهَزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه: أنواع من الشعر.