يقرب من حيث النظر فإنّ المنازعة في فعلية (نعم) و (بئس) دون إسناد تكون مكابرة وزيفا عن الحق، أما القول باسميتهما بعد الإسناد فيمكن بالتوجّه الذي تقدم ذكره على أنّ الحقّ خلاف ذلك (١).
فإن قيل: لو كان الأمر كما قاله ابن عصفور لم يحسن استدلال المخالف في الفعلية بقوله: «بنعم طير» فإنّ (نعم) لم تكن في هذا البيت متنكرة. فالجواب: أن يقال:
إنّ المخالف لم يستدل بهذا البيت، وإنّما استدلّ بقولهم:«ما هي بنعم الولد» وبقولهم: «على بئس العير». نعم، المصنف ذكر استدلال المخالف في الفعلية بقوله:
«بنعم طير» أيضا؛ لأنّ الطريقة التي ذكرها تتضمن أنّ المخالف يقول باسميّة (نعم) و (بئس) على الإطلاق، وأما ابن عصفور فلم يذكر بـ «نعم بال» من قول الشاعر:
على وجه الاستدلال، بل قال: لمّا ذكرت أنّ (نعم) فعل، خفت أن يتوهم من هذا البيت أنّها ليست بفعل بدليل إضافتها إلى ما بعدها. قال: والجواب عن ذلك: أنها لم تضف حتى يغلب عليها من الفعلية وسمّي بها، وحكيت بعد التسمية كما فعل بـ (دبّ) و (شبّ) في قولهم: «ما رأيته من شبّ إلى دبّ»(٣) وب (قيل) و (قال) فيما يؤثر عن النبيّ صلّى الله
عليه وسلّم من أنّه نهى عن (قيل) و (قال)(٤). ثمّ قال: ومثل بـ «نعم بال»، و «بنعم طير»، من قول الآخر:
١٩٩٣ - صبّحك الله بخير ... ... ...
البيت -
(١) ينظر: التذييل والتكميل (٤/ ٤٤٦). (٢) البيت من الوافر، وقد نسب لعدي بن زيد وليس في ديوانه. والشاهد فيه: قوله: «بنعم بال» على أنّ (نعم) اسم بدليل إضافتها إلى ما بعدها. وفي المقرب (١/ ٦٥): وهي في الأصل (نعم) التي هي فعل سمي بها وحكيت على حدّ قولهم: ما رأيته مذ شب إلى دب. ينظر الشاهد أيضا في: منهج السالك (ص ٣٨٧)، والتذييل والتكميل (٤/ ٤٤١). والمقرب (١/ ٦٥). (٣) يعني أنهما جعلا اسمين، وحكى فيهما لفظ أصلهما وهو الفعل في المستقصى للزمخشري (١/ ٢٥٧): «ويروى من شبّ إلى دبّ، بغير تنوين على طريق حكاية الفعل». اه. وفي جمهرة الأمثال للعسكري (ص ٥٣): «بمن شبّ إلى دبّ: أي من لدن شببت إلى أن دببت هرما». اه. (٤) هذا الحديث في الجامع الصغير (ص ٧٠) ولفظه: «عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال». اه. ومعنى: قيل وقال، أي: كره الاشتغال بنقل الأخبار، من غير تمييز بين صحيحها وسقيمها. اه.