(قَالَ) أبو بكرة: (فَقُلْتُ، أَوْ قِيلَ) هذا شكّ من أبي بكرة، نسي هل هو القائل نفسه، أو القائل غيره. (يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ) قال الكرمانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو مبتدأ وخبر؛ أي: هذا يستحق النار؛ لأنه قاتل، فالمقتول لِمَ يستحقها؟ والمظلوم، وتعقّبه العينيّ، قائلًا: الأَولى أن يقال: "هذا" مبتدأ و"القاتل" مبتدأ ثان، وخبره محذوف، والجملة خبر المبتدأ الأول، والتقدير: هذا القاتل يستحق النار؛ لكونه ظالِمًا، فما بال المقتول، وهو مظلوم؟ ونظيره: هذا زيد عالم، وقد عُلم أن المبتدأ إذا اتحد بالخبر لا يحتاج إلى ضمير، ومنه قول -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}[الأعراف: ٢٦]، وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا اللَّه". انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: الإعراب الذي ذكره الكرمانيّ صحيح أيضًا، فلا وجه للاعتراض عليه، فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
(فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ)؛ أي: فما حاله، وشأنه؟ وهو من الأجوف الواوي. (قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم-: ("إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ") وقوله: "حريصًا" من الحرص، وهو الْجَشَع، وقد حَرَص على الشيء يَحْرِص، كضرب يضرب، وحَرِص يَحْرَص كسمع يسمع، ومنه قراءة الحسن البصريّ، وأبي حيوة، وإبراهيم النخعيّ، وغيرهم:{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ}[النحل: ٣٧] بفتح الراء (٢).
وقال في "الفتح": قال العلماء: معنى كونهما في النار أنهما يستحقان ذلك، ولكن أمْرهما إلى اللَّه تعالى، إن شاء عاقبهما، ثم أخرجهما من النار، كسائر الموحّدين، وإن شاء عفا عنهما، فلم يعاقبهما أصلًا، وقيل: هو محمول على من استحلّ ذلك، ولا حجة فيه للخوارج، ومن قال من المعتزلة بأن أهل المعاصي مخلدون في النار؛ لأنه لا يلزم من قوله:"فهما في النار" استمرار بقائهما فيها (٣).
[تنبيه]: زاد البزار -رَحِمَهُ اللَّهُ- في روايته ما يُبيّن المراد بقوله:"القاتل والمقتول في النار"، وهي:"إذا اقتتلتم على الدنيا، فالقاتل والمقتول في النار"، ويؤيده