قال القرطبيّ: واستبعَدَ أن يكون عليه فراش، ويؤثِّر في ظهره؛ وإنَّما يستبعد ذلك إذا كان الفراش كثيفًا، وثيرًا، ولم يكن فراش النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذلك، فلا يستبعد. انتهى (١).
(وَقَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا، وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقُلْتُ لَهُ: قَالَ: قُلْ لَهُ: يَسْتَغْفِرْ لِي، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ). قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ظاهر هذا الوضوء: أنه كان للدُّعاء؛ إذ لَمْ يذكر أنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى في ذلك الوقت بذلك الوضوء، ففيه ما يدلّ على مشروعية الوضوء للدُّعاء، ولذِكر الله، كما تقدَّم من قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إني كرهت أن أذكر الله إلَّا على طهارة". انتهى (٢).
(ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ)؛ أي: إلى السماء، (ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ") تصغير عبد تصغير تلطّف، وحنان، وقوله:(أَبِي عَامِرٍ) بدل من "عبيد"، أو عطف بيان. (حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ) فيه المبالغة في رفع اليدين عند الدعاء، (ثُمَّ قَالَ:"اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ)؛ أي: أبا عامر، (يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ)؛ أي: في المرتبة، وفي رواية ابن عائذ: "في الأكثرين يوم القيامة". (أَوْ) للشكّ من الراوي؛ أي: أو قال: (مِنَ النَّاسِ") بدل من "خلقك"، قال أبو موسى:(فَقُلْتُ: وَلِي)؛ أي: متعلّق بـ "استغفر"، (يَا رَسُولَ اللهِ، فَاسْتَغْفِرْ)؛ أي: اطلب من الله تعالى أن يغفر ذنوبي، (فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا) بضمّ الميم، وفتحها؛ أي: محلًّا (كَرِيمًا")؛ أي: ذات كرامة، وتبجيل.
(قَالَ أَبُو بُرْدَةَ) الراوي عن أبي موسى، وهو موصول بالإسناد المذكور. (إِحْدَاهُمَا)؛ أي: إحدى الدعوتين (لأَبِي عَامِرٍ، وَالأُخْرَى)؛ أي: الدعوة الأخرى (لأَبِي مُوسَى) المعنى: أن أبا بُردة تيقّن بالدعوتين المذكورتين، لكنه شكّ أيهما لأيّهما؟، وهذا لا يضرّ؛ لأنَّ معناهما متقاربان، والله تعالى أعلم.