وذلك لفرط محبته إياها، ولِما اتَّصَل له من الخير بسببها، وفي بيتها، ومن أحبَّ شيئًا أكثر من ذِكره؛ ولذلك قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إني رُزقت حبها"(١).
وكونه -صلى الله عليه وسلم- يُهدي لخلائل خديجة: دليل على كرم خُلُقه -صلى الله عليه وسلم-، وحُسْن عهده، ولذلك كان يرتاح لهالة بنت خُويلد إذا رآها، وَيَهِشُّ (٢) إكرامًا لها، وسرورًا بها. انتهى (٣).
وقولها:(وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ -عز وجل- أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ فِي الْجَنَّةِ) هذا أيضًا من جملة أسباب الغيرة؛ لأن اختصاص خديجة بهذه البشرى مشعر بمزيد محبة من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لها، ووقع عند الإسماعيليّ من رواية الفضل بن موسى، عن هشام بن عروة، بلفظ:"ما حَسَدت امرأة قطّ ما حسدت خديجة، حين بشّرها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ببيت من قصب. . ." الحديث.
(وَإِنْ كَانَ)"إن" مخففة من الثقيلة، ويراد بها تأكيد الكلام، ولهذا أتت اللام في قولها:(لَيَذْبَحُ الشَّاةَ، ثُمَّ يُهْدِيهَا) بضمّ أوله، من الإهداء رباعيًّا، (إِلَى خَلَائِلِهَا) -بالخاء المعجمة- جمع خَلِيلة؛ أي: صديقة، وهي أيضًا من أسباب الغيرة؛ لِمَا فيه من الإشعار باستمرار حبه لها، حتى كان يتعاهد صواحباتها، ولفظ البخاريّ:"فيُهدي في خلائلها منها ما يسعهنّ"؛ أي: ما يكفيهنّ، والله تعالى أعلم.
مسألتان تتعلّقان بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث عائشة -رضي الله عنها- هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [١٢/ ٦٢٥٦ و ٦٢٥٧ و ٦٢٥٨ و ٦٢٥٩ و ٦٢٦٠](٢٤٣٤ و ٢٤٣٥)، و (البخاريّ) في "الفضائل"(٣٨١٦ و ٣٨١٧) و"النكاح"(٥٢٢٩) و"الأدب"(٦٠٠٤) و"التوحيد"(٧٤٨٤)، و (الترمذيّ) في "المناقب"(٢٠١٧)، و (النسائيّ) في "الكبرى"(٥/ ٩٤ و ٢٩٠)، و (ابن ماجه) في "النكاح"
(١) رواه مسلم، كما يأتي بعد هذا. (٢) يقال: هشّ الرجلُ هشاشةً، من بابي تعب، وضرب: تبسّم، وارتاح. "المصباح". (٣) "المفهم" ٦/ ٣١٧.