الْمَدِينَةَ، فَنَادَيْتُ ثَلَاثًا: يَا صَبَاحَاهْ، ثُمَّ خَرَجْتُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ أَرْمِيهِمْ بِالنَّبْل، وَأَرْتَجِزُ، أَقُولُ:
أنا ابْنُ الأَكْوَعِ … وَالْيَوْمَ يَوْمُ الرُّضَّعِ
فَأَلْحَقُ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَأَصُكُّ سَهْمًا في رَحْلِه، حَتَّى خَلَصَ نَصْلُ السَّهْمِ إِلَى كَتِفِه، قَالَ: قُلْتُ: خُذْهَا:
وَأنا ابْنُ الأَكْوَعِ … وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّع
قَالَ: فَوَاللهِ مَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ، وَأَعْقِرُ بِهِمْ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ (١)، أتَيْتُ شَجَرَةً، فَجَلَسْتُ فِي أَصْلِهَا، ثُمَّ رَمَيْتُهُ، فَعَقَرْتُ بِه، حَتى إِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ، فَدَخَلُوا فِي تَضَايُقِه، عَلَوْتُ الْجَبَلَ، فَجَعَلْتُ أرَدِّيهِمْ بِالْحِجَارَة، قَالَ: فَمَا زِلْتُ كلذَلِكَ أَتْبَعُهُمْ، حَتَّى مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ بَعِيرٍ، مِنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي، وَخَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، ثُمَّ اتَّبَعْتُهُمْ أَرْمِيهِمْ، حَتَّى أَلْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثينَ بُرْدَةً، وَثَلاثينَ رُمْحًا، يَسْتَخِفُّونَ، وَلَا يَطْرَحُونَ شَيْئًا، إِلا جَعَلْتُ عَلَيْهِ آرَامًا مِنَ الْحِجَارَة، يَعْرِفُهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى أتوْا مُتَضَايِقًا مِنْ ثَنِيَّةٍ، فَإِذَا هُمْ قَدْ أتاهُمْ فُلَانُ بْنُ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، فَجَلَسُوا يَتَضَحَّوْنَ - يَعْنى: يَتَغَدَّوْنَ - وَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ، قَالَ الْفَزَارِيُّ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَى؟ قَالُوا: لَقِينَا مِنْ هَذَا الْبَرْحَ، وَاللهِ مَا فَارَقَنَا مُنْذُ غَلَسٍ يَرْمِينَا، حَتَّى انْتَزَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا، قَالَ: فَلْيَقُمْ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْكُمْ أَرْبَعَةٌ، قَالَ فَصَعِدَ إلَيَّ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ فِي الْجَبَل، قَالَ: فَلَمَّا أَمْكَنُونِي مِنَ الْكَلَام، قَالَ: قُلْتُ: هَلْ تَعْرِفُونِي؟ (٢) قَالُوا: لَا، وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أنا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَع، وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لَا أَطْلُبُ رَجُلًا مِنْكُمْ إِلَّا أَدْرَكْتُهُ، وَلَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ، فَيُدْرِكَنِي، قَالَ أَحَدُهُمْ: أنَا أَظُنُّ، قَالَ: فَرَجَعُوا، فَمَا بَرِحْتُ مَكَانِي حَتَّى رَأَيْتُ فَوَارِسَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ، قَالَ: فَإِذَا أَوَّلُهُمُ الأَخْرَمُ الأَسَدِيُّ، عَلَى إِثْرِهِ أبو قَتَادَةَ الأنْصَارِيُّ، وَعَلَى إِثْرِهِ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِعِنَانِ الأَخْرَم، قَالَ: فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، قُلْتُ: يَا أَخْرَمُ احْذَرْهُمْ، لَا
(١) وفي نسخة: "فإذا أتى إليّ فارس".(٢) وفي نسخة: "هل تعرفونني".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute