ثالثها: ما حكاه المفسرون من سببها، وذلك أن عبدَ الرحمن بنَ عوفٍ -رضى الله تعالى عنه- صنعَ طعامًا، ودعا ناساً من أصحابِ محمد - صلى الله عليه وسلم -، فَطَعِموا وشربوا، وحضرت صلاةُ المغربِ، فتقدمَ بعضُ القوم فصلَّى بهم المغرب، فقرأ:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[الكافرون: ١]، ولم (١) يتمَّها، فأنزلَ الله تعالى:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}(٢)[النساء: ٤٣]، وحملُ ذلكَ على موضعِ الصلاة حَمْل لها على غير سببها، وحملُ اللفظِ على غير سببه، وإخراجُ سببه غيرُ جائز.
فإن قيل: فقد روى بعضُهم نزولهَا في الذين كانت أبوابهم في المسجدِ (٣)، مع اتفاقِهم على أن صدرها نازلٌ في السُّكارى، فكيف يتفق لها سببان؟
قلنا: يمكن أن يقال: إن قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا
(١) في "ب": "فلم ". (٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢/ ٣٦٣) وتمام الرازي في "فوائده" (٢/ ٢٢٨)، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: صنع عبد الرحمن بن عوف طعاماً، فدعا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، منهم علي، فطعموا وشربوا من الخمر قبل أن تحرم، فأخَذَت في علي، وحضرت صلاة المغرب، فقدموه، فصلى بهم فقرأ: "قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن عابدون ما عبدتم"، وهو لا يدري، ونزل على النبي - صلى الله عليه وسلم -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}. (٣) لعله يقصد ما رواه الطبري في "التفسير" (٥/ ٩٩) عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب قال عن قول الله تعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}: أن رجالاً من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد تصيبهم جنابة ولا ماء عندهم فيريدون الماء ولا يجدون ممراً إلا في المسجد، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}.