لكن ثبت عن عائشة: أن أم حبيبة استُحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأمرها أن تغتسل فقال:«هذا عرق» فكانت تغتسل لكل صلاة (١).
قال الشافعي -رحمه الله-: إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي (٢) وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولا شك -إن شاء الله- أن غسلها كان تطوعًا غير ما أمرت به وذلك واسع لها. اهـ (٣).
قلت: وهذا قول جمهور العلماء من السلف والخلف: أن المستحاضة لا يجب عليها الغسل لكل صلاة.
النية شرط لصحة الغُسل: لأن الغسل عبادة لا تعلم إلا بالشرع فكانت النية شرطًا فيها، وهي عزم القلب على فعل الغسل امتثالاً لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}(٤) والإخلاص: النية في التقرب إلى الله تعالى، والقصد له بأداء ما افترض على عباده المؤمنين، وقال صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات»(٥) وهذا عمل (٦).
ركن الغسل: تعميم جميع البدن بالماء:
فحقيقة الغسل: إفاضة الماء على جميع الجسد، ووصوله إلى كل الشعر والبشرة، وهذا ثابت في جميع الأحاديث الواصفة لغسل النبي صلى الله عليه وسلم -وسأذكرها قريبًا- ومن ذلك ما في حديث عائشة رضي الله عنها:«... ثم يفيض على جسده كله»(٧) قال الحافظ في «الفتح»(١/ ٣٦١): هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل. اهـ.
وفي حديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أما أنا فآخذ ملء كفي ثلاثًا فأصبُّ على رأسي، ثم أفيض بعد ذلك على سائر جسدي»(٨).
(١) صحيح: أخرجه البخاري (٣٢٧)، ومسلم (٣٣٤). (٢) وهذا الأمر بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار، فلعلها فهمت طلب ذلك منها بقرينة فلهذا كانت تغتسل لكل صلاة. (فتح الباري ١/ ٥٠٩). (٣) «سنن البيهقي» (١/ ٣٤٩). (٤) سورة البينة، الآية: ٥. (٥) صحيح: وقد تقدم. (٦) وانظر مبحث «النية شرط لصحة الوضوء» (ص ٤٠). (٧) صحيح: يأتي نصُّه وتخريجه قريبًا. (٨) صحيح: أخرجه بهذا اللفظ أحمد (٤/ ٨١) وهو في البخاري (٢٥٤)، ومسلم (٣٢٧) مختصرًا.