(عن أبي هريرة قال صلَّى الله عليه وسلَّم: لا تحاسدوا) خطابٌ لكلّ من يتأتَّى توجيْهُ (١) الخطاب إليه، أي: لا يحْسُدْ بعضكم بعضًا؛ فإنَّ الحَسَدَ حرامٌ شديدُ التَّحريمِ، وأصله:(تتحاسدوا)، حُذِفتْ (٢) إحدى التاءين تخفيفًا (٣).
وقد تطابقتِ المللُ، وتوافقَتِ النِّحلُ على ذمِّ الحسد وقُبحِه، وهو كما قال / [١٣١/أ] الحَرالِّي: قلق النفس من رؤية النِّعمة على الغير (٤)، وقال غيره: تمنِّي زوالِ نعمة المحسود (٥)، وزاد الشارح الهيتميُّ: وعودِها إليك (٦)(٧)، وهي زيادةٌ مُضِرَّة، كيف وقضيته: أنَّه لو تمنَّى زوالَ نعمة الغيرِ (٨) ولم يتَمَنَّ مع ذلك انتقالها إليه لا يكون مذمومًا، وهو باطلٌ، فلو اقتصر على ما ذكروه كان صوابًا.
(١) في (ب): توجُّه. (٢) في الأصل: (وأحذفت). (٣) وهذا الحذف لإحدى التاءين كثيرٌ في القرآن، منه قول الله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} أي: تتنزَّل، وعلَّة الحذف: لأنَّه لما اجتمع المثلان ثقُل عليهم اجتماع المثلين، ولم يكن سبيلٌ إلى الادغام، فحذفوا إحدى التَّاءين جوازًا, انظر: شرح المفصَّل لابن يعيش (٥/ ٥٥٨) وهل المحذوف هي التَّاء الأولى -وهي تاء المضارعة-، كما يقول بعض الكوفيين، أو التاء الثانية كما هو مذهب سيبويه والبصريين؟ فيها خلافٌ تجده في الكتب المطوَّلة، انظر: الكتاب لسيبويه (٤/ ٤٧٦)، وشرح الكتاب للسيرافي (٥/ ٤٤٩)، وشرح الأُشموني على الألفيَّة (٤/ ١٦٠). (٤) ورد في نظم الدرر للبِقاعي (٢/ ١٠٤) دون نسبةٍ إلى الحرَّاليِّ, وهو مغرمٌ بالنقل عن الحرَّاليِّ, فقد نقل عنه في (نظم الدرر) باسمه أكثر من ثمان مئةِ موضعٍ. (٥) انظر: إكمال المعلم (٣/ ١٨٥)، والإفصاح عن معاني الصحاح (٢/ ٤٤)، شرح النووي على مسلم (٦/ ٩٧). (٦) في (ب): إليه. (٧) الفتح المبين (٥٥١). (٨) في (ب): (لو تمنَّى زوال نعمة المحسود الغير).