للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نوى) بتيممه (نفلًا): لم يصل به فرضًا؛ لأنه ليس بمنوي، وخالف طهارة الماء؛ لأنها

= العاص لما صلى بأصحابه بالتيمم عن جنابة -: "أصليت بأصحابك وأنت جنب؟ " وهذا يدل على أن التيمُّم لا يرفع الحدث ولو نواه المتيمم، لأنه وصفه بأنه جنب، فلو كان التيمُّم رافعًا للحدث: لما وصفه بالجنب، لذلك لا بدّ من نية تقوي ذلك، فإن قلتَ: لِمَ اشترطت النية للتيمم؟ قلتُ: لأن التيمُّم لا يرفع الحدث، فالنية تقوي أن يكون مبيحًا لما لا يباح إلا بالتطهر كالصلاة ونحوها؛ لكون التراب لا صلة له برفع الحدث، وإنما شرع لتدرك الصلاة في وقتها، فلو كان التيمُّم رافعًا للحدث لاستوى الماء والتراب، وهذا لم يقله أحد كما ذكره ابن عبد البر وقد سبق بيان ذلك في مسألة: (١٥ و ١٦ و ١٧)، فإن قلتَ: ينوي رفع الحدث بذلك التيمُّم، وهو قول أبي حنيفة، وبعض الحنابلة، كابن تيمية وصحَّحه ابن عثيمين؛ للقياس، بيانه: كما ينوى في التطهر بالماء رفع الحدث فكذلك التيمُّم مثله، والجامع: تسمية كل منهما بالطهور؛ قلتُ: هذا قياس فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ حيث إن الطهارة بالتيمم طهارة ضرورة، كأكل الميتة للمضطر، وكطهارة المستحاضة، قد شرعه الله بدلًا من الماء، يؤيده: أن المتيمم لو وجد الماء: لبطل تيممه، أما الطهارة بالماء فهي طهارة حقيقية اجتمع فيها المعنى اللغوي والشرعي والواقعي للطهارة، ولو دقّق أيُّ عاقل فيما يتيمم به من تراب وغيره لوجده يُقذر ولا يُطهر، ولكن سمي مطهرًا مجازًا لا حقيقة، ولكن الشارع شرعه؛ تلطفًا منه، تيسيرًا للناس؛ لكثرته كالماء، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض السنة وهي حديث عمرو بن العاص مع القياس" فعندنا: أن الحديث يدل باللازم على أن التيمُّم لا يرفع الحدث، وعندهم: لا يدل على ذلك، لذلك ذهبوا إلى قياسه على الماء، فإن قلتَ: لِمَ لا يجزيء تيمم واحد عن جميع الأحداث والأنجاس إذا لم ينوها؟ قلتُ: لأنها أسباب مختلفة، فلكل سبب نيته؛ لعموم حديث: "إنما الأعمال بالنيات"، وإذا جمعها بنية واحدة: أجزأه؛ لأن كل واحد منها سيناله نصيبه من تلك النية.

<<  <  ج: ص:  >  >>