للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الإثبات، وهو من صيغ المطلق، الثانية: السنة القولية؛ وهي من وجهين: أولهما: قوله: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" وهو عام لكل ما فوق الأرض من تراب وغيره؛ لأن لفظ "الأرض" اسم جنس معرف بأل، وهذا من صيغ العموم، ثانيهما: قوله "الصعيد الطيب طهور المسلم"، وهذا عام، فيشمل كل ما صعد وعلا على الأرض من تراب وغيره، لأن لفظ "الصعيد" اسم جنس معرف بأل، وهو من صيغ العموم، الثالثة: الإجماع؛ حيث كان الصحابة إذا أدركتهم الصلاة ولم يجدوا ماء: فإنهم يتيممون بالأرض التي كانوا يصلون عليها سواء كانت ترابًا أو لا، ولم ينقل عن واحد منهم أنه نقل التراب معه مع ما يغلب على الظن كثرة الرمال ونحيت الأحجار في طرق سفرهم، فإن قلتَ: لِمَ أبيح ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه توسعة وتيسير على الناس؛ لأن تخصيص التراب فقط لإباحة التيمم به فقط فيه ضيق ومشقة على أكثر الناس، فإن قلتَ: إنه يشترط التيمم بالتراب فقط؛ فلا يجوز التيمم بغيره من رمل أو جص ونحوهما - وهذا قول بعض العلماء وهو ما ذكره المصنف هنا -؛ للسنة القولية؛ حيث قال : "جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا" حيث إن مفهوم الصفة قد دل على أن غير التراب - مما يوجد فوق الأرض - لا يتيمم به، وهذا قد خصص عموم حديث: "جعلت لي الأرض مسجدا" حيث إن هذا من باب: "تخصيص العام بذكر بعض أفراده"؛ لكون التراب يعتبر بعضا من الأرض، قلتُ: لا يُسلم لكم جواز تخصيص العام بذكر بعض أفراده؛ لأن المخصِّص يجب أن يكون منافيًا للعام، وذكر بعضه بحكم العام غير منافٍ له فحكمهما واحد فامتنع التخصيص؛ لعدم وجود ما يقتضيه، وقد فصلت الكلام عن هذا في كتابي: "المهذب" وهذا مذهب الجمهور، فإن قلتَ: لِمَ خص "التراب" بالذكر في الحديث مع جواز التيمم بكل ما كان على الأرض؟ قلتُ: لبيان فضل التراب على غيره إذا أمكن الحصول عليه وعلى غيره، فذكره الشارع؛ للاهتمام به، فإن قلتَ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "هل يُخصَّص العام بذكر بعض أفراده؟ " فعندنا: لا، وعندهم: نعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>