ولكن يمكن أن يكون ناسخًا للنهي في هذه الأحاديث الثلاثة وما في معناها.
والصحيح الذي عليه جمهور العلماء أنه لا نسخ في ذلك كلّه، ولكن اختلفوا في معنى قوله:"لا عدوى"، وأظهر ما قيل في ذلك أنه نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية من أن هذه الأمراض تعدى بطبعها من غير اعتقاد تقدير الله لذلك، ويدل على ذلك قوله:"فمن أعدى الأول"، يشير إلى أن الأوّل إنما جرب بقضاء الله وقدره فكذلك الثاني وما بعده، خرج الإمام أحمد والترمذي من حديث ابن مسعود قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"لا يعدى شيء شيئًا"(قالها ثلاثًا)، فقال أعرابي: يا رسول الله النُّقْبة (١) من الجرب تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلّها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فما أجرب الأول، لا عدوى ولا هامة ولا صفر، خلق الله كل نفس وكتب حياتها ومصابها ورزقها"(٢).
فأخبر أن ذلك كلّه بقضاء الله وقدره؛ كما دلّ عليه قوله تعالي:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}(٣)، فأمّا نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن إيراد الممرض، وأمره بالفرار من المجذوم ونهيه عن الدخول إلى موضع الطاعون، فإنه من باب اجتناب الأسباب
(١) النقبة: بضم النون وسكون القاف، قال ابن الأثير: أوّل شيء يظهر من الجرب وجمعها نقب بسكون القاف، لأنها تنقب الجلد أي تخرقه. النهاية لابن الأثير (٥/ ١٠١). (٢) مسند أحمد (١/ ٤٤٠)، وسنن الترمذي: كتاب القدر -باب ما جاء لا عدوى ولا هامة ولا صفر (٤/ ٤٥٠). وقد سبق حديث أبي هريرة (ص ٤٨١)، وهو بمعناه. (٣) سورة الحديد، آية (٢٢).