فضَحِكَ المَأْمُون وقال: قد غَفَرنا لدِعْبِل ما كان هَجَانا به بهذا البَيْت:
إنْ كان إبْراهيم مُضْطَلعًا بها … فلتَصْلُحَنْ من بعْدِه لمُخَارِقِ
قال: فكَتَبَ إلى أبي طَاهِرٍ أنْ يطلُبَ له دِعْبِلًا حيثُ كان، يُعْطيَهُ الأمَان، قال: فكَتَبَ أبي إليه وكان وَاثقًا بناحيَته، فأقْرأه كتاب أَمِير المُؤْمنِيْن، وحَمَلَهُ وخَلَع عليه، وأجازَهُ بالكَثِيْر، وأشَارَ عليه بالمَصِير إِلى المَأْمُون، قال: فتجمَّل دِعْبِل إلى المَأْمُون، قال: وثبتَ في الخِلَافَة المَأْمُون وضَربَ الدَّنَانِيْر باسْمه، وأقْبَل يَجْمعِ الآثارَفي فَضَائِل آل رسُول الله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: فتَنَاهَى إليه فيما تَنَاهَي من فَضَائِلهم قَوْل دِعْبِل (١): [من الطويل]
مَدَارِسُ آياتٍ خَلَتْ من تلاوةٍ … ومَنْزل وَحْيٍ مُقْفِرُ العَرَصَاتِ
لآلِ رسُول اللهِ بالخَيْفِ من مِنىً … وبالرُّكْن والتَّعْرِيْفِ والجَمَرَاتِ
قال: فما زالتْ تردَّدُ في صَدْرِ المَأْمُون حتَّى قَدِمَ عليه دِعْبِل، فقال: أنْشِدْني ولا بأس عليكَ، ولكَ الأمَان من كلِّ شيءٍ فيها؛ فإنِّي أعْرِفها وقد رويْتُها إلَّا أنِّي أُحبُّ أنْ أسْمَعَها من فيْكَ، قال: فأنْشَدَهُ حتَّى إذا صَارَ إلى هذا المَوضِع (٢): [من الطويل]