مذموما ومن العامّة والخاصة ملوما. وقال له: رسول اللّه يأمرك أن تتقدّم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم الصلاة والسلام عليك يا رسول اللّه، كما يفعل في ليالي الجمع، فأعجب الجاهل هذا القول، وجهل أنّ رسول اللّه ﷺ لا يأمر بعد وفاته إلاّ بما يوافق ما شرّعه اللّه على لسانه في حياته، وقد نهى اللّه ﷾ في كتابه العزيز عن الزيادة فيما شرعه حيث يقول: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ اَلدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اَللّهُ﴾ [الشورى/ ٢١] وقال رسول اللّه ﷺ: «إياكم ومحدثات الأمور» فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة، وتمت هذه البدعة واستمرّت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر وبلاد الشام، وصارت العامّة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لا يحلّ تركه، وأدّى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وإنّا للّه وإنّا إليه راجعون.
وأما التسبيح في الليل على المآذن، فإنه لم يكن من فعل سلف الأمّة، وأوّل ما عرف من ذلك أن موسى بن عمران صلوات اللّه عليه، لما كان ببني إسرائيل في التيه بعد غرق فرعون وقومه، اتخذ بوقين من فضة مع رجلين من بني إسرائيل، ينفخان فيهما وقت الرحيل ووقت النزول، وفي أيام الأعياد، وعند ثلث الليل الأخير من كلّ ليلة، فتقوم عند ذلك طائفة من بني لاوي سبط موسى ﵇ ويقولون نشيدا منزلا بالوحي، فيه تخويف وتحذير وتعظيم للّه تعالى، وتنزيله له تعالى، إلى وقت طلوع الفجر، واستمر الحال على هذا كلّ ليلة مدّة حياة موسى ﵇، وبعده أيام يوشع بن نون، ومن قام في بني إسرائيل من القضاة إلى أن قام بأمرهم داود ﵇ وشرع في عمارة بيت المقدس، فرتّب في كلّ ليلة عدّة من بني لاوي يقومون عند ثلث الليل الآخر، فمنهم من يضرب بالآلات كالعود والسطير والبربط والدف والمزمار. ونحو ذلك، ومنهم من يرفع عقيرته بالنشائد المنزلة بالوحي على نبيّ اللّه موسى ﵇، والنشائد المنزلة بالوحي على داود ﵇. ويقال أنّ عدد بني لاوي هذا كان ثمانين وثلاثين ألف رجل، قد ذكر تفصيلهم في كتاب الزبور، فإذا قام هؤلاء ببيت المقدس، قام في كلّ محلة من محال بيت المقدس رجال يرفعون أصواتهم بذكر اللّه سبحانه من غير آلات، فإنّ الآلات كانت مما يختص ببيت المقدس فقط، وقد نهوا عن ضربها في غير البيت، فيتسامع من قرية بيت المقدس، فيقوم في كلّ قرية رجال يرفعون أصواتهم بذكر اللّه تعالى حتى يهمّ الصوت بالذكر جميع قرى بني إسرائيل ومدنهم، وما زال الأمر على ذلك في كلّ ليلة إلى أن خرّب بخت نصر بيت المقدس وجلا بني إسرائيل إلى بابل، فبطل هذا العمل وغيره من بلاد بني إسرائيل مدّة جلائهم في بابل سبعين سنة، فلما اعاد بنو إسرائيل من بابل وعمروا البيت العمارة