قال: ويقال إنّ عمر ﵁ قال لعمرو حين قدم عليه: يا عمرو إنّ العرب قد تشاءمت بي وكادت أن تغلب علي رحلي، وقد عرفت الذي أصابها، وليس جند من الأجناد أرجى عندي أن يغيث اللّه بهم أهل الحجاز من جندك، فإن استطعت أن تحتال لهم حيلة حتى يغيثهم اللّه تعالى. فقال عمرو: ما شئت يا أمير المؤمنين، قد عرفت أنه كانت تأتينا سفن فيها تجار من أهل مصر قبل الإسلام، فلما فتحنا مصر انقطع ذلك الخليج واستدّ وتركه التجار، فإن شئت أن نحفره فننشيء فيه سفنا يحمل فيها الطعام إلى الحجاز فعلته. فقال عمر ﵁: نعم فافعل.
فلما خرج عمرو من عند عمر بن الخطاب ﵁، ذكر ذلك لرؤساء أهل أرضه من قبط مصر فقالوا له: ما ذا جئت به، أصلح اللّه الأمير، تريد أن تخرج طعام أرضك وخصبها إلى الحجاز وتخرب هذه، فإن استطعت فاستقل من ذلك. فلما ودّع عمر ﵁ قال له: يا عمرو انظر إلى ذلك الخليج ولا تنسين حفره. فقال له: يا أمير المؤمنين إنه قد انسدّ، وتدخل فيه نفقات عظيمة. فقال له: أمّا والذي نفسي بيده إني لأظنك حين خرجت من عندي حدّثت بذلك أهل أرضك فعظموه عليك وكرهوا ذلك، أعزم عليك إلاّ ما حفرته وجعلت فيه سفنا. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين إنه متى ما يجد أهل الحجاز طعام مصر وخصبها مع صحة الحجاز لا يخفوا إلى الجهاد. قال: فإني سأجعل من ذلك أمرا، لا يحمل في هذا البحر إلاّ رزق أهل المدينة وأهل مكة. فحفره عمرو وعالجه وجعل فيه السفن. قال: ويقال أن عمر بن الخطاب ﵁ كتب إلى عمرو بن العاص: إلى العاصي ابن العاصي، فإنك لعمري لا تبالي إذا سمنت أنت ومن معك أن أعجف أنا ومن معي، فيا غوثاه ويا غوثاه. فكتب إليه عمرو: أما بعد فيا لبيك ثم يا لبيك، أتتك عير أوّلها عندك وآخرها عندي، مع أني أرجو أن أجد السبيل إلى أن أحمل إليك في البحر، ثم إن عمرا ندم على كتابه في الحمل إلى المدينة في البحر. وقال: إن أمكنت عمر من هذا خرّب مصر ونقلها إلى المدينة. فكتب إليه: إني نظرت في أمر البحر فإذا هو عسر ولا يلتأم ولا يستطاع. فكتب إليه عمر ﵁: إلى العاصي ابن العاصي، قد بلغني كتابك، تعتلّ في الذي كنت كتبت إليّ به من أمر البحر، وأيم اللّه لتفعلنّ أو لأقلعن بأذنك ولأبعثن من يفعل ذلك. فعرف عمرو أنه الجدّ من عمر ﵁، ففعل. فبعث إليه عمر ﵁ أن لا ندع بمصر شيئا من طعامها وكسوتها وبصلها وعدسها وخلها إلاّ بعثت إلينا منه.
قال: ويقال إن الذي دل عمرو بن العاص على الخليج رجل من القبط، فقال لعمرو:
أرأيت إن دللتك على مكان تجري فيه السفن حتى تنتهي إلى مكة والمدينة، أتضع عني الجزية وعن أهل بيتي؟ فقال: نعم. فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب ﵁. فكتب إليه أن أفعل، فلما قدمت السفن خرج عمر ﵁ حاجا أو معتمرا فقال للناس: