ذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ (١)
وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا وَرَدَ عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ قَال: خَرَجَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْهَا جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ. فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّهُ صَالِحًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى. فَقَال لَهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلاَّ فَلاَ، فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ (٢) .
وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ قَدِ الْتَزَمَتْ بِمُقْتَضَى هَذَا النَّذْرِ أَنْ تَضْرِبَ بِالدُّفِّ، وَأَنْ تُغَنِّيَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ رَدَّهُ اللَّهُ سَالِمًا مِنَ الْغَزْوِ، وَالضَّرْبُ بِالدُّفِّ وَالْغِنَاءُ عِنْدَ قُدُومِ الْغَائِبِ أَبَاحَهُ الْفُقَهَاءُ (٣) ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْتَزَمَتْهُ بِالنَّذْرِ، فَدَل هَذَا عَلَى أَنَّ نَذْرَ الْمُبَاحِ مُنْعَقِدٌ وَصَحِيحٌ، وَأَنَّ لِلنَّاذِرِ أَنْ يَفِيَ بِهِ إِنْ شَاءَ.
(١) الْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات ١ / ٤٠٤، وَمَوَاهِب الْجَلِيل ٣ / ٣١٨، وَالْمُغْنِي ٩ / ٥، وَالْكَافِي ٤ / ٤١٨، وَكَشَّاف الْقِنَاع ٦ / ٢٧٥.(٢) حَدِيث: " إِنْ كُنْت نَذَرْت فَاضْرِبِي. . . " أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ (٥ / ٦٢٠ - ٦٢١ ط الْحَلَبِيّ) وَقَال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.(٣) الْبَحْر الرَّائِق ٨ / ٢١٥، وَالْفَوَاكِه الدَّوَانِي ٢ / ٤٠٩، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ عَلَى الشَّرْحِ الْكَبِيرِ ٢ / ٣٣٩، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج ٤ / ٤٢٩، وَالْمُغْنِي ١٢ / ٤٠، وَنِيل الْمَآرِب ٢ / ٢١١، وَإِحْيَاء عُلُوم الدِّينِ ٦ / ١٥١، ١٥٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute