[الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ مِن السنة بِالْآحَادِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ
اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ ; لِتَسَاوِيهِ فِي الْعِلْمِ بِهِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ، وَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ نَسْخِ الِاعْتِدَادِ بِالْحَوْلِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَنَسْخِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْ مُنَاجَاةِ الرَّسُولِ بِقَوْلِهِ: {أَأَشْفَقْتُمْ} الْآيَةَ.
وَنَسْخِ وُجُوبِ ثُبُوتِ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى جَوَازِ نَسْخِ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْمُتَوَاتِرَةِ مِنْهَا، وَنَسْخِ الْآحَادِ مِنْهَا بِالْمُتَوَاتِرِ، وَنَسْخِ الْآحَادِ بِالْآحَادِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ زِيَارَةَ الْقُبُورِ بِنَهْيِهِ عَنْهَا ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، أَلَا فَزُورُوهَا» " (١) وَكَمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ: " «فَإِنْ شَرِبَهَا الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ» " (٢) فَنُسِخَ ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ حُمِلَ إِلَيْهِ مَنْ شَرِبَهَا الرَّابِعَةَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ.
وَأَمَّا نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ مِنْهَا بِالْآحَادِ، فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهِ عَقْلًا وَاخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِهِ سَمْعًا، فَأَثْبَتَهُ دَاوُدُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَنَفَاهُ الْبَاقُونَ.
وَقَدِ احْتَجَّ النَّافُونَ لِذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْنَى.
(١) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ.(٢) يُشِيرُ إِلَى مَا رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا شَرِبُوا الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا شَرِبُوا فَاجْلِدُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا شَرِبُوا الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُمْ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ، هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ " قَالَ: ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فِي الرَّابِعَةِ فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ. وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى قَتْلِهِ، مِنْهُمُ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنْكَرَ الْإِجْمَاعَ عَلَى النَّسْخِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute