وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ فَيَدْرَؤُهُ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِزَوْجِ الْأُخْتَيْنِ " أَمْسِكْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ وَفَارِقِ الْأُخْرَى» " «وَقَوْلُهُ لِوَاحِدٍ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ عَلَى خَمْسِ نِسْوَةٍ " اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا، وَفَارِقْ وَاحِدَةً» " (١) قَالَ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ فَعَمَدْتُ إِلَى أَقْدَمِهِنَّ عِنْدِي، فَفَارَقْتُهَا.
[الْمَسْأَلَةُ الثانية تَّأْوِيلَاتِ بَعِيدَةِ فِي قَوْلِهِ عليه السلام فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
وَمِنْ جُمْلَةِ التَّأْوِيلَاتِ الْبَعِيدَةِ مَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ) (٢) مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مِقْدَارُ قِيمَةِ الشَّاةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ ( «فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» ) قَوِيُّ الظُّهُورِ فِي وُجُوبِ الشَّاةِ عَيْنًا، حَيْثُ إِنَّهُ خَصَّصَهَا بِالذِّكْرِ، وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ إِضْمَارِ حُكْمٍ، وَهُوَ إِمَّا النَّدْبُ أَوِ الْوُجُوبُ، وَإِضْمَارُ النَّدْبِ مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ النِّصَابِ بِهِ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُ الْوَاجِبِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالْحَمْلِ عَلَى وُجُوبِ مِقْدَارِ قِيمَةِ الشَّاةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ إِنَّمَا هُوَ دَفْعُ حَاجَاتِ الْفُقَرَاءِ وَسَدُّ خَلَّاتِهِمْ جَوَازُ دَفْعِ الْقِيمَةِ، وَفِيهِ رَفْعُ الْحُكْمِ، وَهُوَ وُجُوبُ الشَّاةِ بِمَا اسْتُنْبِطَ مِنْهُ مِنَ الْعِلَّةِ، وَهِيَ دَفْعُ حَاجَاتِ الْفُقَرَاءِ وَاسْتِنْبَاطُ الْعِلَّةِ مِنَ الْحُكْمِ (٣) إِذَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِرَفْعِهِ كَانَتْ بَاطِلَةً.
وَمِمَّا يَلْتَحِقُ مِنَ التَّأْوِيلَاتِ بِهَذَا التَّأْوِيلِ (٤) مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ، مِنْ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ فِي جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ، لَا دَفْعُ
(١) الْحَدِيثُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ خَمْسُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقِ الْأُخْرَى ". وَفِي سَنَدِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ.(٢) هَذَا مَعْنَى جُزْءٍ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدِيثَ.(٣) وَاسْتِنْبَاطُ الْعِلَّةِ مِنَ الْحُكْمِ - هَذَا مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ وَالتَّقْدِيرُ: وَالْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنَ الْحُكْمِ - وَلَوْ عَبَّرَ بِهَذَا لَكَانَ أَنْسَبَ لِمَا ذُكِرَ بَعْدُ.(٤) أَيْ فِي الْبُعْدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute