فمخرج هذا القول مخرج الاستئناف؛ لأن ذلك من مظان المسألة عن حاله عند لقاء ربه.
وكأن قائلا قال: كيف حال هذا الرجل عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه، والتسخي لوجهه بروحه? فقيل:{قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} ، ولم يقل: قيل له، لانصباب الغرض إلى المقول لا إلى المقول له مع كونه معلوما.
وكذلك قوله تعالى:{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} ، مرتب على تقدير سؤال سائل عما وجد.
والفرق بين إثبات الفاء في سوف كقوله تعالى:{يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} ٣. وبين حذف الفاء ههنا في هذه الآية أن إثباتها وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل، وحذفها وصل خفي تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر، كأنهم قالوا: فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا، وعملت أنت? فقال:{سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ، فوصل تارة بالفاء، وتارة بالاستئناف للتفنن في البلاغة، وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف? وهو قسم من أقسام علم البيان تكثر محاسنه، فاعرفه إن شاء الله تعالى.
١ سورة يس: الآيات ٢٢ و٢٣ و٢٤ و٢٥ و٢٦ و٢٧. ٢ سورة هود: الآية ٩٣. ٣ سورة الزمر: الآيتان ٣٩ و٤٠.