وهذا الباب أنا استخرجته من كتاب الله تعالى، وهو مخادعات الأقوال التي تقوم مقام مخادعات الأفعال، والكلام فيه وإن تضمن بلاغة، فليس الغرض ههنا ذكر بلاغته فقط، بل الغرض ذكر ما تضمنه من النكت الدقيقة في استدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم، وإذا حقق النظر فيه علم أن مدار البلاغة كلها عليه؛ لأنه انتفاع بإيراد الألفاظ المليحة الرائقة، والمعاني اللطيفة الدقيقة دون أن تكون مستجلبة لبلوغ غرض المخاطب بها.
والكلام في مثل هذا ينبغي أن يكون قصيرًا في خلابه، ولا قصيرًا في خطابه.
فإذا لم يتصرف الكاتب في استدراج الخصم إلى إلقاء يده، وإلا فليس١ بكاتب، ولا شبيه له إلا صاحب الجدل، فكما أن ذاك يتصرف في المغالطات القياسية، فكذلك هذا يتصرف في المغالطات الخطابية.