يُنْزِل الله به سلطانًا، فإنَّ الكتاب والسنة إنما فيهما (١) ذِكْر المساجد دون المشاهد، كما قال تعالى:{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[الأعراف: ٢٩]. وقال تعالى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}[التوبة: ١٨]. وقال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن: ١٨]. وقال تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}[البقرة: ١٨٧]. وقال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}[البقرة: ١١٤].
وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في «الصحيح»(٢) أنَّه كان يقول: «إنّ مَنْ كان قبلكم كانوا يتَّخِذون القبورَ مساجد. ألا فلا تتخذوا القبورَ مساجدَ، فإني أنهاكم عن ذلك».
هذا آخر ما أجاب به شيخُ الإسلام، والله سبحانه وتعالى أعلم.
***
وله من الكلام في مثل هذا كثير، كما أشار إليه في الجواب. ولمَّا ظفروا في دمشق بهذا الجواب كتبوه، وبعثوا به إلى الدّيار المصرية، وكتب عليه قاضي الشافعية: قابلتُ الجوابَ عن هذا السؤال المكتوب [ق ١٢٢] على خطِّ ابن تيمية فصحّ. إلى أن قال: وإنما المحرَّرُ (٣) جَعْلُه زيارة قبر
(١) بقية النسخ: «فيه». (٢) أخرجه مسلم (٥٣٢) من حديث جندب رضي الله عنه. (٣) كذا في الأصل، وفي (ب) وكتاب ابن كثير: «المَحَزّ»، (ف): «المخر»، (ك): «المحه» وبهامشها «لعله: المحرف» وكذلك أثبتها في (ط). وليس كذلك، والسياق يأباه. والأقرب ما في الأصل، ويكون المعنى أن المتحرر من فتوى ابن تيمية كذا وكذا. أو ما في (ب)، والمعنى: أن موضع النقد هو جعله زيارة قبور الأنبياء معصية. وعلى هذين التفسيرين يصح استنكار ابن عبد الهادي على هذا القاضي، وأنه حرَّف كلام ابن تيمية.