للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

انتهى كلام القسطلاني (١) .

وقال شيخ الإسلام ابنُ القيم (٢) -رحمه الله- في بعض «فتاويه» : «أنَّ نفس قيام رمضان لم يوقت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه عدداً معيّناً، بل [هو] (٣) كان - صلى الله عليه وسلم - لا يزيد في رمضان ولا في غيره على ثلاث عشرة ركعة (٤) ، كان يطيل الركعات، فلما جمعهم عمر على أُبَيّ بن كعب كان يصلِّي بهم عشرين ركعة، ثم يوتر بثلاث (٥) ،


(١) ونحوه في «عون الباري» (٢/٨٦٣) . وانظر «صلاة التراويح» (ص ٣٥) لشيخنا الألباني -رحمه الله-.
(٢) النقل عنه بواسطة «عون الباري» (٢/٨٦٤) ، وسيصرح المصنّف بذلك.
والكلام هذا لابن تيمية، شيخ ابن القيم في «الفتاوى الكبرى» (١/١٦٣) ، و «مجموع الفتاوى» (٢٣/١٢٠) ، والمنقول عن ابن القيم في «الزاد» (١/٣٢٥-٣٢٧) أن هديه S في القيام بالليل إحدى عشرة، أو ثلاث عشرة، على الوجه الذي ذكرناه في التعليق على (ص ٧٦) ، ولم يرد له ذكر في «تقريب فقه ابن القيم» ، ولا في «جامع فقهه» (٢/٢٢٦) إلا على هذا الوجه.
ثم وجدتُ ابن تيمية في «منهاج السنة النبوية» رد على ابن المطهِّر الشيعي بقوله: «وزعم أن علياً كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة! ولم يصحّ ذلك، ونبيّنا S كان لا يزيد في الليل على ثلاث عشرة ركعة، ولا يُستحب قيام كل الليل، بل يكره» ، ثم قال: «وعليّ كان أعلمَ الناس وأتبع لهديه من أن يخالف هذه المخالفة» .
انظر: «المنتقى» للذهبي (١٦٩-١٧٠) .
(٣) سقط من الأصل، وأثبته من «العون» .
(٤) انظر التعليق على (ص ٧٦) ، فهناك التخريج.
(٥) ورد ذلك في رواية يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد! وهي رواية= =مرجوحة، والأرجح منها رواية محمد بن يوسف عن السائب؛ لوجوه ذكرناها في التعليق على (ص ٧٧-٧٩) ، ومضى تخريج ذلك مسهباً.

وأخرج مالك (١/١١٥) ، وابن نصر في «قيام رمضان» (٩٥ - مختصره) ، والفريابي في «الصيام» (رقم ١٧٩، ١٨٠) ، والبيهقي في «المعرفة» (٤/٤٢ رقم ٥٤١٠، ٥٤١١) ، و «السنن الكبرى» (٢/٤٩٦) عن يزيد بن رُومان، أنه قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة.
قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (٥/١٥٦ رقم ٦٢٨٣) بعدها وبعد رواية يزيد بن خصيفة: «وهذا كله يشهد بأنّ الرواية بإحدى عشرة ركعة وَهْمٌ وغلط، وأن الصحيح ثلاث وعشرون، وإحدى وعشرون ركعة، والله أعلم» !!
ثم قال: «وقد روى أبو شيبة -واسمه: إبراهيم ابن عُلَيَّة بن عثمان- عن الحكم، عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُصَلِّي في رمضان عشرين ركعة والوتر» ، قال: «وليس أبو شيبة بالقوي عندهم، وذكره ابن أبي شيبة (٢/٢٨٦ رقم ١٣ - ط. دار الفكر) عن يزيد ابن رومان، عن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان» .
قال أبو عبيدة: وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٢/٤٩٦) ، وأبو شيبة الكوفي ضعيف، بل قال النسائي والدولابي: متروك، وقال الجوزجاني: ساقط، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، سكتوا عنه، وتركوا حديثه، وقال الترمذي: منكر الحديث، وضعّفه جماعة.
وانظر -غير مأمور-: «التاريخ الكبير» (٢/٣١) ، «تاريخ ابن معين» (٢/١١) ، «الجرح والتعديل» (١/١١٥) ، «ضعفاء العقيلي» (١/٥٩) ، «المجروحين» (١/١٠٤) ، «تاريخ بغداد» (٦/١١٣) ، «تاريخ واسط» (١٠٥) .
والحكم هو ابن عُتيبة، لم يسمع من ابن عباس، كما في «إتحاف المهرة» (٧/٤٩) وغيره، وهو ثقة ثبت، إلا أنه ربما دلس، كما في «التقريب» ، والثابت من المرفوع من هديه S الإحدى عشرة دون غيرها، وقد قدمنا ذلك من حديثي عائشة وجابر -رضي الله عنهما-. وأما الثابت عن عمر، فالصحيح عنه ما يوافق هديه - صلى الله عليه وسلم -، كما قدمناه -أيضاً-.
وأما الرواية السابقة هنا: رواية يزيد بن رومان فلم تصح، ولا يجوز أن تعارض رواية محمد بن يوسف الصحيحة، ولا تصح أن تشد بها رواية خصيفة المرجوحة، خلافاً لصنيع ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-، لأنها مرسلة، قال النووي في «المجموع» (٣/٥٢٦) : «رواه البيهقي، لكنه مرسل، فإن يزيد بن رومان، لم يدرك عمر» ، وأقره الزيلعي في «نصب= =الراية» (٢/١٥٤) ، وقال العيني في «عمدة القاري» (٥/٣٥٧) : «سنده منقطع» ، وهو معنى الإرسال عند الأقدمين، كما هو مصرح به في كتب المصطلح.
وهنا لفتة مهمة يجب التنبه لها، وهي: أن الإمام البخاري ذكر في «صحيحه» (كتاب صلاة التراويح) : باب فضل مَنْ قام رمضان (٤/٢٥٠-٢٥١ - مع «الفتح» ) أثر عمر وجمعهم على أُبي، ولم يذكر عدد الركعات، ثم أردفه بحديث عائشة: «كان لا يزيد في رمضان، ... » ، وهذا ظاهر أنه يرجّح هذا، وليتأمّل!

<<  <   >  >>