أن هؤلاء المعتزلة-هم أرباب الكلام والبحث في المعقولات-لم تستوعب عقولهم أن الذات لا يمكن أن تنفك عن صفاتها، ومن ثمَّ فلا شبهة ولا تعدد.
ت - فلما جاءت الأشعرية وغيرهم اهتموا ببحث هذه المسألة، وصاروا يستخدمون عبارات معينة عن بيان قدم الذات والصفات، كأن يقولوا: الربُّ قديم، وصفته قديمة، ولا يقولون: الربُّ وصفاته قديمان لما في العطف والتثنية من الإشعار بالتغاير، أو يقولون: الربُّ بصفاته قديم، وهكذا. كما بينوا أن الصفات لا يقال هي الذات ولا غيره، حذراً من هذه الشبهة التي وقع فيها المعتزلة.
الجانب الثاني: من حيث الأقوال فيها.
وخلاصة الأقوال في الصفة هل هي الموصوف أو غيره هي:
القول الأول: قول من يقول: الصفة غير الموصوف، أو الصفات غير الذات.
وهذا قول المعتزلة، والكرامية، والمعتزلة تنفي الصفات، والكرامية تثبتها (١).
القول الثاني: قول من يفرق بين الأمرين، ولا يجمع بينهما، فيقول: أنا أقول مفرقاً: إن الصفة ليست هي الموصوف، وأقول: إنها ليست غير الموصوف ولكن لا أجمع بين السلبين فأقول: ليست الموصوف ولا غيره، لأنَّ الجمع بين النَّفي فيه من الإيهام ما ليس في التفريق.
وهذا قول أبي الحسن الأشعري، الذي يقول على هذا: الموصوف قديم، والصفة قديمة، ولا يقول عند الجمع: قديمان، كما لا يقال عند الجمع: لا هو الموصوف، ولا غيره (٢).
(١) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٣/ ٣٣٦). (٢) انظر: ((رسائل إلى أهل الثغر)) (ص: ٧٠ - ٧١) (وقد نسب إليه ابن فورك في المجرد ص: ٣٨، أنه يقول: لا يقال لصفاته هي هو ولا غيره) وانظر أيضاً: ((الرسالة الأكملية)) - ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٩٦)، و ((جواب أهل العلم والإيمان - مجموع الفتاوى)) (١٧/ ١٦٠)، و ((درء التعارض)) (٥/ ٤٩).