وشجاعة الفاروق - رضي الله عنه - لا تُجهل. لكن الكلام هنا على سند القصة. ثم إن الرسول - صلى الله عليه وسلم -وهو أشجع الناس- هاجر وصاحبه الصديق - رضي الله عنه - متخفّيَيْن عن أعين المشركين، فليس في هذا ما يعيب، بل هو من بذل الأسباب، ومن تمام التوكل على الله.
وقد روي البخاري -رحمه الله- عن البراء بن عازب - رضي الله عنهما - قال:"أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانوا يُقرئون الناس، فقدم بلال وسعد وعمار بن ياسر - رضي الله عنهم -. ثم قدم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في عشرين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ... (٦) ".
بل قد أخرج ابن إسحاق ما يدل على أن هجرة عمر - رضي الله عنه - كانت سرًا فقال:"حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "اتّعدتُ لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعيّاش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاصي بن وائل السهمي التّناضب من أضاة بني غِفَار (*) فوق سَرِف، وقلنا: أيُّنا لم يُصبح عندها فقد حُبس، فليمض صاحباه. قال: فأصبحتُ أنا وعيّاش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحُبس عنا هشام، وفُتن فافتتن .. (٧) " الحديث. وصحّحه ابن حجر (٨) وحسّن إسنادها: الوادعي (٩)، وسلمان العودة (١٠).
والجمع بين رواية ابن إسحاق هذه، ورواية البخاري أن عمر قدم في عشرين من الصحابة: أن هؤلاء الصحابة - رضي الله عنهم - التقي بعضهم ببعض في الطريق دون ترتيب مسبق، فيما يظهر. والله أعلم.
(٦) البخاري: كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه المدينة (٧/ ٢٥٩ فتح) (*) قال السُّهيلي: أضاة بن غفار على عشرة أميال من مكة، والأضاة الغدير. (الروض الأنف ٤/ ١٩٠). (٧) الروض الأنف (٤/ ١٧٠). (٨) الإصابة (٣/ ٥٧٢)، وحسنه في مختصر زوائد البزّار (٢/ ١٤ - ١٣). (٩) الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين (٢/ ١٠٨) (١٠) الغرباء الأولون (١/ ١١٧).