اشتهر في كتب السيرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما سمع بقّدوم الأحزاب لغزو المدينة، شاور أصحابه، فأشار عليه سلمان الفارسي - رضي الله عنه - بقوله:"إِنا كنا بفارس إذا حُوصرنا خندقنا علينا، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق حول المدينة .. " قال الحافظ في (الفتح): "وكان الذي أشار بذلك سلمان، فيما ذكر أصحاب المغازي، منهم أبو معشر، قال: قال سلمان .. (١) ". فذكره، ولم يسق له إسنادًا. وأبو معشر هو: نجيح بن عبد الرحمن السندى (ت١٧١هـ) روى له الأربعة، وضعّفه الجمهور، وكان الإمام أحمد يرضاه ويقول: كان بصيرأً بالمغازي (٢). وليست العلة في ضعف أبى معشر فحسب؛ بل كون الخبر مرسلًا، حيث ساقه دون إسناد.
ولم يشرْ ابن إسحاق إلى مشورة سلمان الفارسي - رضي الله عنه - وإنما قال:"فلما سمع بهم (أي الأحزاب) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما أجمعو له من الأمر ضرب الخندق على المدينة، فعمل فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترغيبًا للمسلمين في الأجر ... (٣) ". وإنما ذكره ابن هشام بدون إسناد حيث قال:"يقال إنّ سلمان الفارسي أشار به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٤) ".