فَيَقُولُ. مِنْ قَوْلِ اللَّهِ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: ٣] وَزَعَمَ أَنَّ كُلَّ مَجْعُولٍ مَخْلُوقٌ، فَادَّعَى كَلِمَةً مِنْ الْكَلَامِ الْمُتَشَابِهِ يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُلْحِدَ فِي تَنْزِيلِهَا وَيَبْتَغِيَ الْفِتْنَةَ فِي تَأْوِيلِهَا.
وَذَلِكَ أَنَّ جَعَلَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ عَلَى وَجْهَيْنِ عَلَى مَعْنَى التَّسْمِيَةِ، وَعَلَى مَعْنَى فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِمْ. قَوْلُهُ: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: ٩١] قَالُوا: هُوَ شِعْرٌ وَأَنْبَاءُ الْأَوَّلِينَ وَأَضْغَاثُ أَحْلَامٍ، فَهَذَا عَلَى مَعْنَى التَّسْمِيَةِ، وَقَالَ: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: ١٩] يَعْنِي أَنَّهُمْ سَمُّوهُمْ إنَاثًا ثُمَّ ذَكَرَ جَعَلَ عَلَى غَيْرِ مَعْنَى تَسْمِيَةٍ فَقَالَ: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة: ١٩] فَهَذَا عَلَى مَعْنَى فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَقَالَ: {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} [الكهف: ٩٦] هَذَا عَلَى مَعْنَى فِعْلٍ، هَذَا جَعْلُ الْمَخْلُوقِينَ.
ثُمَّ ذَكَرَ جَعَلَ مِنْ اللَّهِ عَلَى مَعْنَى خَلَقَ، وَجَعَلَ عَلَى غَيْرِ مَعْنَى خَلَقَ، وَاَلَّذِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ عَلَى مَعْنَى خَلَقَ لَا يَكُونُ إلَّا خَلْقًا وَلَا يَقُومُ إلَّا مَقَامَ خَلَقَ لَا يَزُولُ عَنْ الْمَعْنَى فَمَا قَالَ اللَّهُ جَعَلَ عَلَى مَعْنَى خَلَقَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: ١] يَعْنِي خَلْقَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ. {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} [الإسراء: ١٢] يَقُولُ خَلَقْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ: قَالَ {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} [نوح: ١٦] وَقَالَ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: ١٨٩] يَقُولُ خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا خَلَقَ مِنْ آدَمَ حَوَّاءَ.
وَقَالَ: {وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} [النمل: ٦١] وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ فَهَذَا وَمَا كَانَ مِثَالُهُ لَا يَكُونُ مِثَالُهُ إلَّا عَلَى مَعْنَى خَلَقَ وَقَوْلُهُ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} [المائدة: ١٠٣] لَا يَعْنِي مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute