رسول الله! أخبرني من أيّ شيءٍ تبكي أنت وصاحبُك؟ فإن وجدتُ بُكاءً بكيت، وإن لم أجد بُكاءً تباكيتُ لبكائكما؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أبكي للذي عرض عليَّ أصحابُك من أخذهم الفداء، لقد عُرِضَ عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة" شجرةٍ قريبةٍ من نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل الله - عز وجل -: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ (١) فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً}(٢)، فأحلّ الله الغنيمة لهم)) (٣).
١٦ - بكى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - شفقة على أمته، فعن عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله - عز وجل - في إبراهيم:{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}(٤) الآية، وقال عيسى - عليه السلام -: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(٥) الآية، فرفع يديه وقال:"اللهم أُمّتي أُمّتي" وبكى، فقال الله - عز وجل -: "يا جبريل اذهب إلى محمد وربُّك أعلم فسله ما يُبكيك؟ فأتاه جبريل - عليه السلام - فسأله، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل! اذهب إلى محمد فقل: إنَّا سَنُرضيك في أُمَّتك ولا نسوؤك"(٦).
(١) يثخن في الأرض: يُكثر القتل والقهر في العدوِّ. شرح النووي ١٢/ ٨٧. (٢) سورة الأنفال، الآيات: ٦٧ - ٦٩. (٣) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، وإباحة الغنائم، برقم ١٧٦٣. (٤) سورة إبراهيم، الآية: ٣٦. (٥) سورة المائدة، الآية: ١١٨. (٦) مسلم، كتاب الإيمان، باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته وبكائه شفقة عليهم، برقم ٢٠٢.