لَمَّا جَلَسَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الظِّلِّ وَقَالَ: " رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خير فَقير " سَمِعَتْهُ الْمَرْأَتَانِ فِيمَا قِيلَ، فَذَهَبَتَا إِلَى أَبِيهِمَا، فَيُقَال إِنَّه استنكر سرعَة رجوعهما، فأخبرتاه بِمَا كَانَ (١) مِنْ أَمْرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
فَأَمَرَ إِحْدَاهُمَا، أَنْ تَذْهَبَ إِلَيْهِ فَتَدْعُوهُ، " فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تمشي على استحياء " أَي مَشى الْحَرَائِر، " قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سقيت لنا ".
صَرَّحَتْ لَهُ بِهَذَا لِئَلَّا يُوهِمَ كَلَامُهَا رِيبَةً، وَهَذَا مِنْ تَمَامِ حَيَائِهَا وَصِيَانَتِهَا.
فَلَمَّا جَاءَهُ وقص عَلَيْهِ الْقَصَص " وَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، وَمَا كَانَ مَنْ أَمْرِهِ فِي خُرُوجِهِ مِنْ بِلَادِ مِصْرَ فِرَارًا مَنْ فِرَعَوْنِهَا، " قَالَ " لَهُ [ذَلِكَ الشَّيْخُ] (٢) " لَا تَخَفْ نَجَوْتَ من الْقَوْم الظَّالِمين " أَيْ خَرَجْتَ مِنْ سُلْطَانِهِمْ فَلَسْتَ فِي دَوْلَتِهِمْ.
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الشَّيْخِ مَنْ هُوَ؟ فَقِيلَ هُوَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ كَثِيرِينَ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَجَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثٍ، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ.
وَصَرَّحَ طَائِفَةٌ بِأَنَّ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ عَاشَ عُمْرًا طَوِيلًا بَعْدَ هَلَاكِ قَوْمِهِ، حَتَّى أَدْرَكَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَزَوَّجَ بِابْنَتِهِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِم وَغَيره من الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ صَاحِبَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا، اسْمُهُ شُعَيْبٌ، وَكَانَ سَيِّدَ الْمَاءِ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِالنَّبِيِّ صَاحِبِ مَدْيَنَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ ابْنُ أَخِي شُعَيْبٍ، وَقِيلَ: ابْنُ عَمِّهِ، وَقِيلَ: رَجُلٌ
(١) ا: مَا كَانَ.(٢) لَيست فِي ا.(*)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute