وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ الْقِبْطَ شَكَوْا إِلَى فِرْعَوْنَ قِلَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، بِسَبَب قتل ولدانهم الذُّكُور، وخشي أَنْ تَتَفَانَى الْكِبَارُ مَعَ قَتْلِ الصِّغَارِ، فَيَصِيرُونَ هم الَّذين يلون مَا كَانَ بَنو إِسْرَائِيل يعالجون فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِ الْأَبْنَاءِ عَامًا وَأَنْ يُتْرَكُوا عَاما فَذكرُوا أَن هرون عَلَيْهِ السَّلَام ولد فِي عَام الْمُسَامحَة عَن قتل الابناء، وَأَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ولد فِي عَامِ قَتْلِهِمْ، فَضَاقَتْ أُمُّهُ بِهِ ذَرْعًا واحترزت من أول مَا حبلت، وَلم يكن يظْهر عَلَيْهِم مَخَايِلُ الْحَبَلِ.
فَلَمَّا وَضَعَتْ أُلْهِمَتْ أَنِ اتَّخَذَتْ لَهُ تَابُوتًا، فَرَبَطَتْهُ فِي حَبْلٍ وَكَانَتْ دَارُهَا مُتَاخِمَةً لِلنِّيلِ، فَكَانَتْ تُرْضِعُهُ، فَإِذَا خَشِيَتْ (١) مِنْ أَحَدٍ وَضَعَتْهُ فِي ذَلِكَ التَّابُوتِ، فَأَرْسَلَتْهُ (٢) فِي الْبَحْرِ، وَأَمْسَكَتْ طَرَفَ الْحَبْلِ عِنْدَهَا، فَإِذَا ذَهَبُوا اسْتَرْجَعَتْهُ إِلَيْهَا بِهِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ، فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا، إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وهم لَا يَشْعُرُونَ ".
هَذَا الْوَحْيُ وَحَيُّ إِلْهَامٍ وَإِرْشَادٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: " وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبك ذللا يخرج من بطونها " الْآيَة (٣) .
(١) ا: فَإِذا أحست.(٢) ا: وأرسلته.(٣) الْآيَتَانِ: ٦٨، ٥٨ من سُورَة النَّحْل.(*)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute