وَالْمَقْصُود أَن عادا كَانُوا جُفَاةً كَافِرِينَ، عُتَاةً مُتَمَرِّدِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ فِيهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ، فَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ وَتَنَقَّصُوهُ، فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.
فَلَمَّا أَمَرَهُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَرَغَّبَهُمْ فِي طَاعَتِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ، وَوَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ ذَلِكَ عُقُوبَةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لنراك فِي سفاهة " أَي هَذَا الامر الذى تدعونا إِلَيْهِ سفه بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا نَحن عَلَيْهِ من عبَادَة هَذِه الاصنام الَّتِى يرتجى مِنْهَا النَّصْر والرزق، وَمَعَ هَذَا نظن أَنَّك تكذب فِي دعواك
أَن الله أرسلك.
" قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُول من رب الْعَالمين "، أَي لَيْسَ الامر كَمَا تظنون وَلَا كَمَا (١) تَعْتَقِدُونَ " أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِين " وَالْبَلَاغُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْكَذِبِ فِي أَصْلِ الْمُبَلِّغِ، وَعدم الزِّيَادَة فِيهِ وَالنَّقْص مِنْهُ، ويستلزم أداءه (٢) بِعِبَارَةٍ فَصِيحَةٍ وَجِيزَةٍ جَامِعَةٍ مَانِعَةٍ لَا لَبْسَ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ وَلَا اضْطِرَابَ.
وَهُوَ مَعَ هَذَا الْبَلَاغِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي غَايَةِ النُّصْحِ لِقَوْمِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ وَالْحِرْصِ عَلَى هِدَايَتِهِمْ، لَا يَبْتَغِي مِنْهُمْ أَجْرًا وَلَا يَطْلُبُ مِنْهُمْ جعلا ; بل هُوَ مخلص لله عزوجل فِي الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ وَالنُّصْحِ لِخَلْقِهِ، لَا يَطْلُبُ أَجْرَهُ إِلَّا مِنَ الَّذِي أَرْسَلَهُ، فَإِنَّ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كُلَّهُ فِي يَدَيْهِ وَأَمْرُهُ إِلَيْهِ
(١) ا: وَلَا مَا تعتقدون.(٢) ط: إبلاغه.(*)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute