وَبِالْجُمْلَةِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا سِيَّمَا غَزَوَاتُ الْقِتَالِ - مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ، مَضْبُوطَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَحْوَالِهِ، مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَالتَّفْسِيرِ وَالْمَغَازِي وَالسِّيَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهِيَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا، فَيَمْتَنِعُ - عَادَةً وَشَرْعًا - أَنْ يَكُونَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَاةٌ يَجْرِي فِيهَا مِثْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا يَنْقُلُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ، كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فُرِضَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ صَلَوَاتٍ، أَوْ فُرِضَ فِي الْعَامِ أَكْثَرُ مِنْ صَوْمِ (١) . شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ، وَكَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ غَزَا الْفُرْسَ بِالْعِرَاقِ، وَذَهَبَ إِلَى الْيَمَنِ، وَلَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَكَمَا يَمْتَنِعُ أَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا.
وَسُورَةُ " وَالْعَادِيَاتِ " فِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ، وَهَذَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمْ، فَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ كَذِبُ هَذَا الْقَوْلِ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُنَاسِبُ قَوْلَ مَنْ فَسَّرَ " الْعَادِيَاتِ " بِخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ عَلِيٍّ، الْمَنْقُولَ عَنْهُ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ، أَنَّهُ كَانَ يُفَسِّرُ " الْعَادِيَاتِ " بِإِبِلِ الْحُجَّاجِ وَعَدْوِهَا مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى. وَهَذَا يُوَافِقُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ; فَيَكُونُ عَلَى مَا قَالَهُ عَلِيٌّ يُكَذِّبُ هَذَا الْقَوْلَ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْأَكْثَرُ يُفَسِّرُونَهَا بِالْخَيْلِ الْعَادِيَاتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (٢) ٢٠٨. .
(١) صَوْمِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (س) ، (ب)(٢) ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ ٨/٤٨٦ أَنَّ عَلِيًّا وَعَبْدَ اللَّهِ فَسَّرَا " الْعَادِيَاتِ " بِأَنَّهَا الْإِبِلُ وَفَسَّرَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّهَا الْخَيْلُ، فَبَلَغَ عَلِيًّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: مَا كَانَتْ لَنَا خَيْلٌ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي سَرِيَّةٍ بُعِثَتْ، ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنِ جَرِيرٍ الْخَبَرَ مُفَصَّلًا ٨/٤٨٦ - ٤٨٧ وَفِي آخِرِهِ: " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَزَعْتُ عَنْ قَوْلِي وَرَجَعْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ". وَانْظُرْ ٨/٤٨٧ زَادَ الْمَسِيرِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ ٩/٢٠٦ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute