رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فقال في كتابه: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)} [البقرة]، وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (١٦٤)} [آل عمران]، وقال تعالى:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ}[الأحزاب: ٣٤]». (١) وذَكَر غَيرَها مِن الآيات التي وَرَدت في معناها.
قال: «فذكر الله تعالى الكتابَ، وهو القرآن، وذَكَر الحِكْمَةَ، فَسَمعتُ مَن أَرْضَى مِن أَهْلِ العِلْمِ بالقُرآن يَقُول: الحِكَمْةُ: سُنَّةُ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - (٢).
وهذا يُشْبِهُ ما قال واللَّهُ أَعْلَمُ بأن القرآن ذُكِر وأُتْبِعَتْهُ الحِكْمةُ، وذَكَر اللهُ - عز وجل - مِنَّتَهُ (٣) على خَلْقِه بِتَعْليمِهم الكِتَاب والحِكْمَة، فلم يَجُزْ واللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ تُعَدَّ الحِكَمة هاهنا إلا سُنَّةُ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك أنها مَقْرُونَةٌ مَع كتاب الله، وأن اللهَ افترضَ طاعةَ رَسُولِه - صلى الله عليه وسلم -، وحَتَّم على الناس اتباعَ أَمْرِه، فلا يجوزُ أن يُقَالَ لِقَولٍ: فَرْضٌ، إلا لِكِتَابِ اللهِ، ثم سُنَّة رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُبَيِّنَةٌ عن الله ما أَرَادَ، دَليلًا على خَاصِّهِ وعَامِّه، ثم قَرَن الحِكْمَةَ بها بِكِتَابه فَأَتْبَعَها إِيَّاهُ، ولم يجعل هذا لأحدٍ مِن خلقه غَيرِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -» (٤).
(١) «الرسالة» (ص: ٧٦ - ٧٨ بتصرف). (٢) زاد الرازي في تفسيره «مفاتيح الغيب» (٤/ ٥٩) بعدما نقل كلمة الشافعي: «وهو قول قتادة». (٣) في «م» (مننه) وفي «الرسالة» (مَنَّهُ). (٤) «الرسالة» (ص: ٧٨ - ٧٩ بتصرف).