والسّماع إلى الحق والقرآن والموعظة، وقد بيّن لنا القرآن كيف يتدرج المعرض عن الحق في تصرفاته، أو من يحاول الإعراض وعدم الاستماع إلى آيات الله؛ فهو أوّلاً يبدأ بالرّأس: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾ ثمّ الجانب: ﴿ثَانِىَ عِطْفِهِ﴾، ثمّ دبره أو عقبيه أو ظهره كقوله تعالى: ﴿وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَّمْ يَسْمَعْهَا﴾ [لقمان: ٧].
﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ﴾: إذن هو يجادل بالباطل ليضل، اللام لام التّعليل؛ أي: الغرض من جداله: الإضلال وصرف النّاس عن سبيل الله؛ أي: دين الله تعالى وإن لم يعترف بذلك. عن: تفيد المجاوزة أو الابتعاد.
﴿لَهُ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾: له: اللام لام الاستحقاق، في الدّنيا الخزي والهوان والذّلة والفضيحة، وجزاؤه في الآخرة يوم القيامة عذاب الحريق.
﴿ذَلِكَ﴾: يعني الخزي في الدّنيا وعذاب الحريق في الآخرة.
﴿بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾: بما: اقترفت يداك، ذلك: اسم إشارة للبعد، بما: الباء باء الإلصاق، أو السّببية، بما قدمت يداك من عمل السّوء والمعاصي والكفر بما قدمت في الدّنيا، وإسناد جميع الأعمال إلى اليد؛ نظراً لأنّها هي الجارحة الّتي يزاول العبد بها أكثر الأعمال، وبما قدمت يداك، مع أنّ الكفر ليس من عمل اليد وإنما هو فعل القلب واللسان، ففي هذا توبيخ وتقريع وإهانة لهم.
﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾: وأنّ للتوكيد، بظلّام: صيغة مبالغة من: ظالم؛ تعني: لا يظلم هذا ولا يظلم ذاك، والعبيد عددهم كبير؛ فإذا كان لا يظلم عبيده