الشُّحَّ أَهْلَكَ مَن كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُم بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا، وَأَمَرَهُم بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا، وَأمَرَهُم بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا".
فَبَيَّنَ أَنَّ الشُّحَّ يَأْمُرُ بِالْبُخْلِ وَالظُّلْمِ وَالْقَطِيعَةِ.
"فَالْبُخْلُ" مَنْعُ مَنْفَعَةِ النَّاسِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ (١).
وَ"الظُّلْمُ" هُوَ الِاعْتِدَاءُ عَلَيْهِم.
فَالْأَوَّلُ هُوَ التَّفْرِيطُ فِيمَا يَجِبُ، فَيَكُونُ قَد فَرَّطَ فِيمَا يَجِبُ، وَاعْتَدَى عَلَيْهِم بِفِعْلِ مَا يُحَرَّمُ.
وَخَصَّ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ بِالذِّكْرِ إعْظَامًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ قَبْلَهَا.
وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [الحشر: ٩]: هُوَ أَلَّا يَأْخُذَ شَيْئًا مِمَّا نَهَاهُ اللّهُ عَنْهُ، وَلَا يَمْنَعُ شَيْئًا أَمَرَهُ اللّه بِأَدَائِهِ.
وَمِن النَّاسِ مَن يَقُولُ: "الشُّحُّ وَالْبُخْلُ" سَوَاءٌ، كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الشُّحُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الْبُخْلُ وَمَنْعُ الْفَضْلِ مِن الْمَالِ.
وَلَيْسَ كَمَا قَالَ؛ بَل مَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - (٢) وَابْنُ مَسْعُودٍ (٣) أَحَقّ أَنْ يُتَّبَعَ، فَإِنَّ الْبَخِيلَ قَد يَبْخَلُ بِالْمَالِ مَحَبَّةً لِمَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ مِن اللَّذَّةِ وَالتَّنَعُّمِ، وَقَد لَا يَكونُ مُتَلَذِّذًا بِهِ وَلَا مُتَنَعِّمًا؛ بَل نَفْسُهُ تَضِيقُ عَن إنْفَاقِهِ وَتَكْرَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ يَكْرَهُ أَنْ يَنْفَعَ نَفْسَهُ مِنْهُ مَعَ كَثْرَةِ مَالِهِ، وَهَذَا قَد يَكُونُ مَعَ الْتِذَاذِهِ بِجَمْعِ الْمَالِ وَمَحَبَّتِهِ لِرُؤَيتِهِ، وَقَد لَا يَكُونُ هُنَاكَ لَذَّةٌ أَصْلًا؛ بَل يَكْرَهُ أَنْ يَفْعَلَ إحْسَانًا إلَى أَحَدٍ حَتَّى لَو أَرَادَ غَيْرُهُ أَنْ يُعْطِيَ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْهُ بُغْضًا لِلْخَيْرِ لَا لِلْمُعْطِي وَلَا لِلْمُعْطَى؛ بَل بُغْضًا مِنْهُ لِلْخَيْرِ، وَقَد يَكُونُ بُغْضا وَحَسَدًا لِلْمُعْطَى أَو
(١) وعلمِه، بل هو من أعظم البخل وأمقته وأضره.(٢) بقوله: فَإِنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَن كَانَ قَبْلَكمْ أَمَرَهُم بِالْبُخْلِ.(٣) بقوله: إنما الشح أن تأكل مال أخيك ظلمًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute