ثم ارتفع جبريل وجعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يديم النظر إلى السماء، رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل ربه١، وقد أقسم الله ليكونن عند ما سأل محمد -صلى الله عليه وسلم- وليجيبنه إلى ما طلب، فوعده بقوله:{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} . أي لنعطينك ما تطلعت إليه نفسك، وأشرب حبه قلبك من استقبالك المسجد الحرام..
وما قصد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك وأحبه عن سخط في التولي إلى بيت المقدس ومجرد هوى في النفس وشهوة في التولي إلى الكعبة، وإنما كان ذلك منه -صلوات الله عليه- لمقاصد دينية وأغراض سامية وافقت مشيئة الله تعالى ... ولذا فإن وعد الله للرسول -صلى الله عليه وسلم- رتب عليه الإنجاز السريع والتنفيذ العاجل.
وبذلك صدر الأمر الإلهي للرسول -صلى الله عليه وسلم- وللمسلمين بالتحول من بيت المقدس إلى الكعبة، ثم يبين الله بعد ذلك أن الفريقين من اليهود والنصارى يعلمون أن أمر التحويل إلى الكعبة هو الحق، لأنه مسطور في كتبهم: أنه -عليه الصلاة والسلام- يصلي إلى القبلتين، وليس
ذلك ابتداعًا من تلقاء نفس محمد -صلى الله عليه وسلم.
١ "روح البيان" ١/ ٢٠١. والحديث المذكور رواه أبو داود في ناسخه، عن أبي العالية، كما في "الدر المنثور" ١/ ٢٦١، وهذا مرسل، والمرسل من أنواع الضعيف. ٢ سورة البقرة، الآية ١٥٠. ٣ سورة البقرة، الآية ١٤٤.