يعير الفرزدق حين قيد فرسه، وأقسم ألايحلها حتى يحفظ القرآن، فلما هاجى جرير البعيث هجا الفرزدق١ جريراً معونةً للبعيث، وذبا عن عشيرته، فقال جرير:
ولما اتقى القين العراقي باسته ... فرغت إلى العبد المقيد في الحجل٢
معنى فرغت عمدت، قال الله عز وجل:{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} ٣ أي سنعمد٤. وقوله:"ورعثهما" الواحدة رعثة، وجمعها الجمع رعث وهي الشنوف.
وقوله:"ثم انصرفوا موفورين" من الوفر، أي لم ينل أحد منهم بأن يرزأ في بدن ولا مال، يقال موفور، وفلان ذو وفر: أي ذو مال، ويكون موفوراً في بدنه إذا ذكر ما أصيب به غيره في بدنه، قال حاتم الطائي:
وقد علم الأقوام لو أن حاتماً ... أراد المال أمسى له وفر
ويروى:" كان له وفر".
وقوله:"لم يكلم أحد منهم كلماً". ويقول: لم يخدش أحد منهم خدشاً، وكل جرح صغر أو كبر فهو كلم، قال جرير:
تواصلت الأقوام من تكرمها قريش ... برد الخيل دامية الكلوم
وقوله:"مات من دون هذا أسفاً"، يقول: تحسراً، فهذا موضع ذا و"قد"٥ يكون الأسف الغضب، قال الله عز وجل:{فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} ٦ والأسيف يكون الأجير ويكون الأسير فقد قيل في بيت الأعشى:
أرى رجلا ًمنهم أسيفاً كأنما ... يضم إلى كشحيه كفاً مخضبا
١ من ر. ٢ زيادات ر: "يعني بقوله: "ولما اتقى القين العراقي باسته" البعيث، وسماه القين لأنه من رهط الفرزدق". ٣ سورة الرحمن ٢٤. ٤ زيادات ر: "تميم تقول: فرغ يفرغ [بفتح الراء فيهما] فراغا، وأهل العالية-وهم قريش ومن والاها- يقولون فرغ يفرغ [بالضم فيهما] فروغا". ٥ من ر. ٦ سورة الزخرف٥٥.