صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ، فَيَقُولُ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَأَتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ غَدًا مُؤَجَّلُونَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّه بِكُمْ لَاحِقُونَ، اللَّهمّ اغْفِر لأهل بَقِيع الفرقد» ، وَلَمْ يُقِمْ قُتَيْبَةُ قَوْلَهُ: «وَأَتَاكُمْ مَا تُوعِدُونَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ (١) عَنْهَا، قَالَتْ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّه الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّه بِكُمْ لَلَاحِقُونَ» ، ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ (٢) رَحِمَهُ اللَّه: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الْأَسَدِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ، فَكَانَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: «السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ» ، وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّه بِكُمْ لَلَاحِقُونَ، نَسْأَلُ اللَّه لَنَا وَلَكُمُ الْعَافِيَةَ» ، انْتَهَى مِنْ «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» .
وَخِطَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْقُبُورِ بِقَوْلِهِ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ» ، وَقَوْلُهُ: «وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّه بِكُمْ» ، وَنَحْوُ ذَلِكَ يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ سَلَامَهُ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ سَلَامَهُ وَكَلَامَهُ لَكَانَ خِطَابُهُ لَهُمْ مِنْ جِنْسِ خِطَابِ الْمَعْدُومِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْعُقَلَاءِ، فَمِنَ الْبَعِيدِ جَدًّا صُدُورُهُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه ذِكْرُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ فِي قَبْرِهِ يَسْتَأْنِسُ بِوُجُودِ الْحَيِّ عِنْدَهُ.
وَإِذَا رَأَيْتَ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ الصَّحِيحَةَ الدالَّة عَلَى سَمَاعِ الْمَوْتَى، فَاعْلَمْ أَنَّ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} ، وَقَوله: {وَمَا أَنتَ
(١) - انْظُر الْموضع السَّابِق حَدِيث رقم (١٠٣) .(٢) - (٢/٦٧١) (٩٧٥) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute